الدافع وراء الكتابة؟!

10 يناير 2018
+ الخط -
عندما تشعر أنه لم يتبق كلام لتكتبه، فإن هذا يعني على الأرجح أنه ما زال ثمة أشياء في أعماقك جديرة بالتفكير، وهي أعمق وأصدق من أن تكتب وتنقل إلى الورق. الشيء اللافت والأهم بفعل الكتابة ليس ما يكتبه الشخص فعلياً، وإنما بالتساؤل الذي يدور حول الشخص وبالدافع الذي يجعله يكتب.

لحظة الكتابة ليست اللحظة الأكثر إلهاماً وصدقاً، وإنما اللحظة التي تسبقها هي الأهم، وهي التي يجب أن يحافظ الكاتب عليها عندما ينقل كلماته للورق لأن ثمة شيء سيتغير عندما نحسم تفكيرنا بفكرة ما بينما نهم بنقلها إلى الورق، ربما الكتابة الأدبية لا تغير العالم بل تجعلك تشعر بجماله، - لا تغيره لأن غالبية الكتاب لا يشبهون لحظتهم تلك التي تسبق الكتابة - لا يشبهون شخصيتهم الحقيقية.

عندما نبدأ بفعل الكتابة، تتداخل الرغبة بالاستعراض والتفنن في عرض الفكرة مع الرغبة في تقديمها بأفضل صورة ممكنة، وهذا بحقيقة الأمر يؤذي الشيء الأساسي الذي نريد أن يكون موجوداً في الورق.


ثمة عديد من الكتاب بارعون في تسويق أنفسهم، ويملكون الذكاء الأدبي الذي يجعلهم مشهورين، أولئك يملكون الذكاء الذي يجعلهم مرئيين، يتمتعون برضا الإعلام ورضا الموروث الأدبي الفكري، لكن بحقيقة الأمر لا يملكون جمال الموهبة الأدبية ومتعتها، لا يملكون غرض الموهبة الحقيقية.

تساؤلي الدائم حول موضوع الكتابة هو سبب لتساؤلي، كيف تعلم الإنسان حمل القلم، فليس مهماً باعتقادي كتابة أشياء مختلفة حتى لو كرر ذلك عشر مرات، بقدر ما يهمني أن أعرف، لماذا أكتب هذه الأفكار؟ وما الجدوى من كتابتها؟

الكتابة ظاهرة تماماً مثل كل ما يفعله الإنسان بيديه، إن الكتابة فعل مربك ومتوتر، وأنت دائماً تجد الإثارة في ذلك، وبأننا نبحث عن ذواتنا من خلالها من دون أن تتولد إجابة حاسمة لذلك..

أقول في نفسي، إن وجود واقع سياسي في الحياة، رفقة قَلم يكتب وفنان يرسم وموسيقى تعزف، معناه أن ثمة توقعاً جميلاً يستحق الخيال، ما زال موجوداً في الحياة وهذا أمر عظيم، وبالتالي فإن الحياة تستحق المعاناة للحصول على لحظات أفضل وأكثر متعة تساهم في ضخ الذات وتغذيتها.

الخط الذي يكتنز الجدل في طياته بين الحالة الواقعية المعاشة والحالة الفنية المتخيلة التي تعبر عنه الكتابة، يجعل الدخول إلى الحيز الأدبي يبدو كنافذة حوارية بين الحياة في ذات نفسها وبين حرية الحركة والتفكير لدى نماذجها، فالإنسان عبر أدواته يبحث عن أفضل صيغة ممكنة بوصفه كائناً بشرياً يجنح نحو "الثورة الداخلية"، أي التمرد على الذات، فيما تستمر الديناميكية المادية على يد العمال وطبقات المجتمع المختلفة بمنح الدفق والتوقع الخاص لمعنى الحياة وجدواها، إن الخيالي يخلق السياسي المباشر، وروعة توظيف الفن للخيالي يحوله لواقع أقرب للتصديق أكثر مما يفعله الشكل السياسي الظاهر للعلن، ولهذا السبب يسحر الأشخاص بالفنون بشكلها العام، والكتابة الأدبية جزء من تلك الفنون.

في اعتقادي سيظل نتاج الحضارة الإنسانية بمعناها المنجز موضع جدل وشك وسوء نية، أما ما يقدمه الفرد المبدع المتمرد سيبقى استثنائياً وجذاباً وبشرياً إلى أقصى حد.

في لحظة الكتابة ربما نصدق فعلياً ما نفعله.
42BBA522-1BE8-4B0B-9E9A-074B55E2BCB4
معتز نادر

كاتب صحافي وشاعر.يقول: من المخزي أن ينسف طارئ نفسي أو عقلي معين كل ما أنجزته تجربة الذاكرة عبر سنواتها الطويلة.. إن هذا يؤدي إلى الحديث عن الموهبة الممزوجة بالصدق والنقاء، إذ برأيي ستكون أقصى ما يمكن أن يصل إليه المرء من كفاءة وروعة.وليس ثمة قضية أهم من مواجهة الإنسان لوحدته.. إن هذا العالم نهض على الأغلب من أشياء تافهة وغير ملفتة، وهذا ما يمنح الإغراء للبحث عن حياة نقية وأكثر نضارة.

مدونات أخرى