الخيام والفردوسي على تخوم حضارتين

02 يونيو 2016
صفحة من "الشاهنامة" للفردوسي
+ الخط -

رغم التداخل التاريخي، والجيرة الجغرافية، يظلّ الاحتكاك على مستويات الأدب والفن والفكر بين الحضارتين العربية والفارسية في أدنى مستوياته، إذ ينحصر في تلك المقولات الجاهزة أو الأسماء الكبرى مثل الخيام والشيرازي وابن سينا والغزالي وغيرها، من دون النظر في تفاصليها الثرية.

حول البحث في ما بعد المعرفة السطحية بأسماء الأدب الفارسي، التأمت مؤخراً في "المركز الثقافي الإيراني" في تونس العاصمة، ندوة بعنوان "أدبيات الخيام والفردوسي" حاول المشاركون فيها أن يضيئوا قراءات مختلفة في تاريخ الأدب المكتوب باللغة الفارسية.

في مداخلته، تحدّث أستاذ الأدب الفارسي في جامعة سوسة، فريد قطاط، حول التشكيك في الروايات التاريخية التي تناولت عمر الخيام (1048 - 1131 م)، معتبراً أن البيت المنسوب إليه "كل يرى فيه رأياً ومذهباً" ينطبق عليه.

يشير قطاط إلى أننا نعثر في كتب تاريخ الأدب الفارسي على أكثر من خيام واحد، البعض يدمج الشاعر والعالم في شخصية واحدة وآخرون يفصلونهما، معتبراً أن هناك "خيام أصلي وخيام مجعول (أي مصطنع)".

كنموذج، يقدّم قطاط رؤية المؤرخ الإيراني محمد محيط طبطبائي والذي يقول بوجود خيّامين، إذ يعتبر أن صاحب الرسائل العلمية هو عمر الخيّامي (بالياء) لكنه لم يكتب شعراً. يستند طبطبائي في ذلك، كما يشير قطاط، إلى أن المؤرّخين القدامى، حتى القرن الخامس هجري، لم يذكروا أن هذا العالم كان شاعراً.

ينسب الطبطبائي الشعر إلى شخصية أخرى هو علي الخيّام، ويؤكد أن ديوان شعره كان موجوداً في أذربيجان في النصف الأول من القرن السابع هجري. هكذا تقوم فرضية الطبطبائي على أنه جرى تركيب شخصية واحدة من هاتين الشخصيتين.

في سياق آخر، يشير قطاط إلى أن متابع التاريخ الأدبي في فارس، سيكتشف أن الرباعيات ظلّت تتكاثر من عصر إلى آخر؛ من قرابة المئة في القرن الخامس إلى قرابة الألف رباعية اليوم، وهو ما أنتج ميدان بحث حول الرباعيات يحاول فيه المؤرخون (إيرانيون وعرب ومستشرقون) تبيان الرباعيات الأصلية من المدسوسة.

في مداخلة أخرى، تحدّث الشاعر التونسي نور الدين صمّود عن إشكاليات نقل رباعيات الخيام من لغتها إلى العربية من زاوية عروضية. ينطلق صمّود من تجربة شخصية في ترجمة الرباعيات، حيث يؤكد أن الأوزان الفارسية أطول من الأوزان العربية، وبالتالي فإن ترجمة بيت من الرباعيات يقتضي على المعرّب أن يختزل المعنى، ضارباً مثال بحر "الدوبيت"، وهو أكثر البحور استعمالاً في الرباعيات، إذ إنه أطول في عدد التفعيلات من أي بحر عربي.

وحول الفردوسي (القرن العاشر ميلادي)، حاضر أستاذ اللغة الفارسية في جامعة تونس، الإيراني علي أكبر سام خانيائي، حيث ركّز على الجوانب الحضارية الموازية لكتابة ملحمة "الشاهنامة" التي وضعها الشاعر أبو قاسم الفردوسي (935–1020 م).

يقدّم خانيائي إطاراً تاريخياً لمشروع الفردوسي، إذ عاش الشاعر الفارسي في زمن تطوّر الحركة الاحتجاجية التي تسمّى بالشعوبية، والتي وقفت ضد التمييز العرقي الذي كانت تعرفه الدولة الإسلامية، خصوصاً زمن الأمويين وبدرجة أقل زمن العباسيين. هكذا كانت محاولة الفردوسي بالنسبة لخانيائي، هي عملية إحياء للغة الفارسية، ومن خلالها استعادة التراث السياسي عبر سير الملوك الفرس، مشيراً إلى أن الفردوسي كان أيضاً "رجل دولة وكما نظم الشعر نظّم الإدارة".

في تعليق حول هذه المحاضرة، رأى الكاتب التونسي محمود طرشونة أن وضع الفردوسي في إطار الشعوبية هو إطار إشكالي لأن الملاحم تحتاج إلى الخلو من النزعة القومية فهي تقيّدها، مشيراً هنا إلى أن البعض قال بأن الفردوسي أصرّ على تجنّب استعمال الكلمات العربية غير أن ملحمته لم تخلُ منها، إضافة إلى أنه استعار الكثير من الأوزان العربية.

المساهمون