الخيال من تلقاء نفسه

11 نوفمبر 2016
الشاعر نيما يوشيج (1895-1960)
+ الخط -

طالما نظرت إلى الشعر بكونه انعقادًا عاطفيًا بين الفكر والخيال في لغة مضغوطة وموزونة. هكذا في جوهـر الشعر تجتمع ثلاثة عناصر: الفكر والخيال واللغة. وهي عناصر ذات أهمية بالغة في جوهر الشعر؛ ومن هذا المنطلق لا يستطيع أحد هذه العناصر الثلاثة أن يكون شعراً كاملاً لو جاء منفرداً في قصيدة ما.

إذن يمكن القول إن لدينا شعريات ثلاث: الأولى، تحمل البعد الفكري وهو شعر محتوى، والثانية المحمولة على الخيال وينتج منها ما يمكن تسميته بالشعر التصويري، وهناك الشعرية التي تهتم باللغة والبنية.

هكذا يظلّ ناقصاً كل من شعر المحتوى وشعر التصوير وشعر البنية، حين يجيء وحده في القصيدة.

إذا ما نظرنا إلى الفكر في الشعر نراه يقترب أكثر فأكثر إلى الفلسفة، والفلسفة في حد ذاتها هي تبلورٌ للفكر. يختص الفكر بنظام منطقي في حين أن الخيال يهم بالطيران والنأي عن هذا النظام المنطقي؛ هكذا نجد اختلافًا بين الخيالي والفكري، ولكن في جوهر الشعر يغيب هذا الاختلاف بشكل سارّ.

أكبر الشعراء في تاريخنا الشعري كانوا من كبار المفكرين في عصرهم. فقصائد شعراء كالفردوسي وجلال الدين الرومي والخيّام وحافظ زاخـرة بأعمق الأفكار الإنسانية؛ وهناك بالطبع فرق بين شاعرٍ وشاعر؛ فمثلاً مجموعة "كلشن راز" للشبستري تهتم بالفلسفة والفكر، ورباعيات الخيام هي شعر؛ صحيح أن رباعيات خيام انعكاسٌ لأفكاره الفلسفية ولكن "كلشن راز" هي منظومة فكرية ليس إلا. ورباعيات الخيام يتعانق فيها الفكر والخيال في لغة مضغوطة.

من تلقاء نفسه يجعل الخيالُ الشعر ملتزمًا. كل قصيدة، بطبيعة الحال، هي تقرير أفكار وفي خدمتها. إذن من هذا المنطلق كل القصائد ملتزمة. وتعرفـون أن الفكر في الشعر يأتي من حالة طبقية. فكلّ شاعر في شعره يتكلم عن طبقته الاجتماعية أو الطبقة التي يريد الانتماء إليها؛ أو بالأحـرى ينبغي القول: بدل أن نتحدث عن الشعر الملتزم والشعر اللاملتزم ينبغي أن نتكلم عن الشعر المتطوّر والشعر الرجعيّ.

يقول سارتر إن الكلمة بالنسبة للشاعر هي عبارة عن "شيء" ولكن بالنسبة للكاتب هي عبارة عن أداة للوصول إلى غايات أخرى. ولكن في الشعر أرى الشاعر ينأى بالكلمة من أجل اللغة والعكس صحيح. يسعى الكاتب أن يتجاوز تخوم اللغة. برأيي سارتر هنا على خطأ شديد.

يقول هيدغـر إن هولدرلين أشعر الشعراء؛ وهذا الكلام ينطبق على شاعرين إيرانيين كبيرين هما جلال الدين الرومي في الشعر الكلاسيكي ونيما يوشيج في الشعر المعاصر؛ رغم أن أعظم قصائدهما بقيت عصية على الفهم العام والمتلقي العادي.


* شاعر إيراني من مواليد مدينة مشهد عام 1938 ويعيش في المنفى منذ 1983.

** ترجمة عن الفارسية: حمزة كوتي

المساهمون