لم يكن إعلان وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، أمس السبت، بأن السعودية سبدأ بإرسال وحدات عسكرية برية وطائرات بالفعل إلى قاعدة "إنجرليك" الجوية التركية، مفاجئاً في هذا التوقيت الذي يشهد إعلانات مكثفة تفيد جميعها بأن الرياض لا تنوي اتخاذ أي خطوة إلى الوراء في الملف السوري، رغم تعقيدات الأوضاع السياسية والعسكرية. وقال جاووش أوغلو إن بلاده والسعودية ربما تشنان عمليات برية ضد "داعش" في سورية، حسبما نقلت عنه وسائل إعلام تركية يوم السبت. وأشار الوزير التركي من مؤتمر الأمن في ميونيخ إلى أن السعودية "مستعدة لإرسال قوات وطائرات مقاتلة" إلى قاعدة انجرليك الجوية التركية، لافتاً إلى أن "تركيا والسعودية ربما تشنان عملية (ضد تنظيم الدولة الإسلامية) براً". لم يحدد جاووش أوغلو عدد القوات أو الطائرات كما لم يشر إلى توقيت الانتشار السعودي المحتمل، واكتفى بالقول إن ثمة "زيارات استكشافية". ونقلت قناتا "إن تي في" و"سي إن إن تركيا" تصريحات الوزير، وأشارتا إلى أن تركيا والسعودية "تتفقان على الحاجة إلى شن عمليات برية في سورية". وتابع قائلاً "إذا وصلنا إلى مثل هذه الاستراتيجية، فربما تشن تركيا والسعودية عملية من البر.
اقرأ أيضاً: مصلحة مشتركة بتمتين التحالف السعودي التركي وتخطي عقبة السيسي
عسكرياً، تواترت أنباء عن إعادة تسليح الفصائل السورية المعارضة، بعد توقف التسليح لأشهر، ربما في محاولة لإنجاح مفاوضات جنيف السياسية، والتي أعلن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، فشلها، قبل انعقادها المقرر في 25 من الشهر الجاري، باعتبار "التعنت الروسي" هو المسؤول عن إحباط أي حل سياسي في سورية. أما سياسياً، فيبدو أن التوتر ما بين حلف شمال الأطلسي وروسيا، قد وصل إلى مراحل خطرة في سورية، خاصة مع احتمال قيام تركيا – العضو في الحلف ــ والسعودية بعمليات برية، ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، تحت غطاء التحالف الدولي ضد الإرهاب، والذي تقوده الولايات المتحدة، ليصبح من الصعب تفادي مواجهة تركية – روسية، ما دام هذا التدخل ضد الإرهاب لن يأتي عبر البوابة الروسية، وسيؤدي بصورة أو أخرى إلى إضعاف نظام بشار الأسد.
كما أن هناك احتمالاً بأن يدعم الحلف تركيا، ومن المؤشرات على هذا، تصريحات وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، من بروكسل قبل يومين، بدراسة "الأطلسي" الدخول في التحالف الدولي ضد "داعش" كحلف. الاحتمال الآخر المخيف لأوروبا، هو تفكك الحلف نفسه، إذ يستبعد مراقبون أن يقوم بالدخول في حرب ضد روسيا من أجل أنقرة، لا سيما وأن بعض دول "الأطلسي" سحبت أنظمة دفاعها الجوي من تركيا، بالتزامن مع بدء التدخل الروسي في سورية، مما نُظر إليه على نطاق واسع في حينها، كخذلان من دول الحلف لتركيا.
أما نظام الأسد فيبدو بأنه يغرد خارج السرب، أكثر من أي وقت مضى، بتأكيده على أنه عازم على "استعادة كل الأراضي السورية" كما جاء على لسان الأسد أخيراً، في الوقت الذي فضل فيه وزير خارجية النظام، وليد المعلم، أن تتم المفاوضات في جنيف "من دون وجود المعارضة". هذه التصريحات توحي بأن الأسد ما زال فاعلاً وقادراً على الحركة، بينما كل المؤشرات الحالية تدل على أن الروس هم من يتحدثون نيابة عن النظام، في كل التفاصيل، وهم من يملكون مفاتيح الحل في سورية، إن كان من خلال التهدئة أو التصعيد، ولم يتبقَّ للنظام إلا إطلاق التصريحات الإعلامية. حتى وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، أكد مرارا أن لا حل عسكري في سورية، مما يؤكد أن إستراتيجية الروس هي تحسين شروط الأسد التفاوضية، لا بسط سلطته بالقوة على كامل التراب السوري، الأمر الذي سيعني مزيداً من التورط الروسي في سورية، واستمرار الحرب لفترة طويلة، لا يُتوقع أن تكون روسيا قادرة على تمويلها، والدخول في تفاصيلها أكثر.
في ظل هذه الصورة القاتمة، والمعقدة، تبدو السعودية أكثر وضوحاً في سياساتها وتحولات سياساتها. فتصريح العميد أحمد عسيري، مستشار وزير الدفاع السعودي، حول إرسال قوات برية إلى سورية لمواجهة "داعش" لم يكن عابراً، إذ سارت خطوات ولي ولي العهد السعودي، وزير الدفاع، محمد بن سلمان، ووزير الخارجية عادل الجبير، لتؤكد أن السعودية ستمضي بقرارها هذا إلى أقصاه، وأنه ليس مجرد تلويح بورقة عسكرية لكسب مفاوضات، أو تهديد لإحراج روسيا، بقدر ما أصبحت الرياض تضغط أكثر على حلفائها الغربيين، من أجل محاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" بجدية أكبر، الأمر الذي يبدو بأنه سيتم وفق هوى الرياض لا موسكو.
اليوم، هناك خياران لمحاربة الإرهاب في سورية: الأول من خلال القتال مع الروس، وبالتالي يصب في صالح نظام الأسد، الأمر الذي عارضته الرياض طويلاً. أما الخيار الثاني، فهو أن تكون محاربة الإرهاب تحت مظلة الولايات المتحدة، وهو ما كانت الرياض ترغب به منذ سنوات، وكرره الجبير قبل يومين، حين أكد أن بقاء الأسد هو ما يجذب الإرهابيين إلى سورية، وأن رحيله يأتي ضمن سياق محاربة الإرهاب هناك.
هذه التعقيدات تجعل التدخل السعودي – التركي مبرراً على المستوى الإقليمي والدولي. فقد كانت الخطط الأميركية تشير مراراً إلى أن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" لن يتم إلا على يد "قوى سنية" أكانت محلية أو إقليمية، وبالتالي يتوقع أن تعطي تركيا، والسعودية، باعتبارها من أكبر الدول "السنية" في الإقليم، هذا الثقل لعمليات التحالف الدولي ضد "داعش" البرية. وقد يرى السوريون والعراقيون، بأن تدخلاً من هذا النوع، طريق ثالث للخروج من خيار العيش تحت إرهاب "داعش" أو الموت بفعل "إرهاب الحشد الشعبي" والمليشيات الطائفية الأخرى.
لكن ما يبدو غير واضح، في سياق التحركات السعودية الأخيرة في المنطقة، هو ضبابية الموقف في اليمن. فمن غير الواضح بعد، إن كان التحالف العربي لموجهة قوات الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح، وميلشيات الحوثي، اقترب من تحقيق أهدافه، وطرد الحوثيين من صنعاء، وفق تسريبات صحافية، أو أن السعودية قد تفتح جبهة أخرى، في سورية، من دون أن تكون قد أنهت العمليات العسكرية في اليمن، ووصلت إلى تسوية سياسية مرضية هناك. هذه النقطة تفتح مخاوف من احتمال أن يستغل الرافضون للتدخل السعودي المرتقب في سورية، لا سيما إيران وروسيا، الجبهة الجنوبية، لدعم الحوثيين في محاولة للضغط على الرياض في سورية. على الرغم من التأكيدات السعودية، بأن إيران فعلت هذا حقيقة، وتحاول دائماً إرسال أسلحة إلى الحوثيين، بلا جدوى، حيث أحكمت قوات التحالف العربي هناك، السيطرة على المنافذ الجوية والبحرية.