لم تحصد الاجتماعات المتكررة ما بين المسؤولين الأميركيين والصينيين اتفاقات نهائية ورسمية معلنة حتى اليوم حول الكثير من نقاط الاختلاف في السياسات والتوجهات الاقتصادية، وخصوصاً التجارية منها، وذلك بعدما عقدت أربعة حوارات رئيسية منذ أبريل/ نيسان الماضي، إثر القمة التي جمعت الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأميركي دونالد ترامب.
وفي حين تدفع أميركا برئاسة ترامب نحو تقييد الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة برسوم إضافية، ومحاولة زيادة الصادرات الأميركية إلى بكين لتحقيق بعض التوازن في الميزان التجاري، لا تزال الصين تتمسك باتفاقيات التجارة الحرة، والإبقاء على قيود الاستثمار في السوق الصينية، وسط رفضها فرض أي قيود على وارداتها نحو السوق الأميركية.
آخر الاجتماعات بين الجانبين حصل الأسبوع الماضي، وانتهى بلا أي إعلانات رسمية عن اتفاق. لا بل لم يخرج أي من المجتمعين في "الحوار الاقتصادي السنوي" الذي عقد في واشنطن، في مؤتمر صحافي مشترك قد يبدد بعض الغيوم عن فحوى النقاشات التي دارت، ولا حتى في بيان مشترك يشير إلى ما تم إحرازه. وفي حين أن بعض المحللين اعتبروا أن بعض ما رشح من الاجتماع من الوفود يشير إلى التقدم في المحادثات، يؤكد البعض الآخر أن الاجتماعات قد فشلت ووصلت إلى طريق مسدود قد يؤجج الصراع.
تضارب المواقف
إضافة إلى خفض العجز التجاري الأميركي أمام الصين، تطالب الولايات المتحدة بدخول أسواق الخدمات المالية الصينية وخفض الطاقة الإنتاجية المفرطة للصلب الصيني وتخفيض رسوم استيراد السيارات وتقليص دعم الشركات المملوكة للدولة ورفع قيود الملكية للشركات الأجنبية في الصين.
وأكد مسؤول أميركي كبير لوكالة "رويترز" أن الجانبين عقدا "محادثات صريحة"، لكنهما فشلا في التوصل إلى اتفاق في معظم القضايا التجارية والاقتصادية المشتركة التي تهم الولايات المتحدة.
إلا أن وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشن ووزير التجارة ويلبور روس أصدرا بياناً عقب الاجتماع، جاء فيه أن "الصين تقر بهدفنا المشترك من أجل خفض العجز التجاري"، وأن "الجانبين يتعاونان لتحقيق ذلك".
وأكد البيان أن "الموقف الأميركي لا يزال يلتزم بمبادئ التوازن والإنصاف والتبادلية على الصعيد التجاري من أجل منح العمال والمؤسسات الأميركية فرصة للتنافس على قدم المساواة".
في المقابل أشار بيان للسفارة الصينية في واشنطن إلى أن الجانبين أقرا بتحقيق "تقدم ملحوظ" في المحادثات وسيعملان معاً من أجل خفض العجز التجاري. وأضاف: "سيوسع الجانبان مجالات التعاون في الخدمات وزيادة التبادل التجاري في الخدمات وتوسيع الاستثمارات المشتركة وتوفير بيئة استثمارية أكثر انفتاحاً ومساواة وشفافية وملاءمة".
في حين نقلت وكالة "شينخوا" الرسمية الصينية عن الوفد الصيني أنه تم الاتفاق على خطة عمل لمدة عام واحد للتعاون الاقتصادي، وكذا للتعاون في مجالات مثل التمويل والتجارة والاستثمار والحوكمة الاقتصادية العالمية. واتفق الجانبان، وفق الوكالة الصينية، على معالجة الاختلال التجاري بينهما، كما أكدا استعدادهما لتوسيع التعاون التجاري في مجال الخدمات وفي قطاعات التكنولوجيا المدنية الفائقة وفي مجال الزراعة. وكذا، كان اتفاق على خلق بيئة استثمارية أكثر انفتاحاً لكل طرف لدى الآخر. وأن البلدين توصلا إلى اتفاق في مجال الزراعة بشأن بروتوكولات التفتيش والحجر الصحي لصادرات الأرز الأميركية المتجهة إلى الصين.
وقال تقرير لـ "شينخوا" إن الجانبين اتفقا على التركيز على السياسة الاقتصادية الكلية والتوجهات الاستثمارية العامة. وإنه من المتوقع أن يدعم التوافق الذي تم التوصل إليه بشأن تجارة الخدمات نقاط نمو جديدة. كما أن من المتوقع أن يؤدى استعداد بكين لتوسيع النفاذ إلى الأسواق حسبما طلبت واشنطن إلى تعزيز التوازن التجاري.
تحقيق التوازن
إلا أن هذه التطمينات لم تقنع المستثمرين، الذين اعتبروا أن المؤشرات السلبية الناتجة عن المحادثات وغياب أي إعلانات تجارية جديدة قد يعني على الأرجح أن ترامب سيمضي قدماً في فرض رسوم واسعة النطاق على الصلب أو فرض حصص استيراد محددة بناء على نتائج مراجعة للأمن القومي، وهو ما أدى إلى صعود أسهم شركات صناعة الصلب.
لكن حتى إذا فشلت الحكومتان الصينية والأميركية في الاتفاق على بنود تجارة دائمة، فقد تعهد رؤساء شركات من البلدين في لقاءات سابقة، بتعميق التعاون وجهود الاستثمار المشترك. وقالت مجموعة تضم 20 من رؤساء الشركات، إنهم ملتزمون زيادة التجارة المتبادلة، بما في ذلك صادرات السلع الزراعية الأميركية والغاز الطبيعي المسال والسلع الاستهلاكية إلى الصين.
وتمثل الصين حالياً ما يقرب من 70% من العجز التجاري الأميركي. لكن التصريحات الصينية تعتبر أن عدم التوازن لم يأت نتيجة لسياسات غير عادلة، ولكن كناتج طبيعي للعولمة والتجارة الحرة. وتشرح أًن السلع غالبا ما تتحرك عبر حدود وطنية متعددة للوصول إلى سوق نهائية. وحيث أن الصين في نهاية سلسلة العرض الدولي، فإن صادراتها إلى الولايات المتحدة تتضمن قيما مستوردة منها ومن دول أخرى.
وتوضح دراسة قام بها اقتصاديون في مجلس الاحتياطي الفيدرالي في دالاس أن استخدام منهج القيمة المضافة لقياس التجارة الثنائية خفض اختلال التوازن التجاري بين الولايات المتحدة والصين بنسبة 33% عام 2013.
وقال الاقتصادي في جامعة ييل ستيفن روتش إن "الولايات المتحدة التي تشهد قلة الادخار والتطلع إلى النمو اعتمدت بشدة على المخزون الواسع للصين من الفائض في المدخرات للتعادل بين النفقات والإيرادات". واعتبر أن حصة الصين الضخمة في سندات الخزانة الأميركية ساعدت الولايات المتحدة على تمويل العجز القياسي في الموازنة.
وقد تجاوز حجم التجارة الثنائية 550 مليار دولار في عام 2016 بما يمثل زيادة بأكثر من 200 مرة عما كان قبل 30 عاماً. وحتى نهاية العام الماضي، بلغ الاستثمار البيني في مجمله أكثر من 170 مليار دولار.
وقال ديفيد دولر وهو مسؤول كبير في مؤسسة بروكينغز، ومسؤول سابق في وزارة الخزانة الأميركية، إن توقيع معاهدة استثمار ثنائية عالية الجودة سيساعد الولايات المتحدة على تصدير خدماتها للصين، وسيساهم في بناء أساس لعلاقات تجارية أفضل بين بكين وواشنطن. وارتفعت صادرات الولايات المتحدة إلى الصين خلال العقد الماضي بمعدل سنوي 11%، بينما ارتفعت الواردات من الصين إلى متوسط 6.6% سنوياً.
وتعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على واردات الصين، وليس العكس، وفقا لما قاله تشو مي، الباحث في الأكاديمية الصينية للتعاون التجاري والاقتصادي الدولي التابعة لوزارة التجارة. وقال تشو إن الصين مزودة بنظام صناعي كامل ولا تستطيع أية دولة أن تحل محلها في تقديم المنتجات إلى الولايات المتحدة.
وساعدت التجارة الثنائية في خلق نحو 2.6 مليون فرصة عمل، وأسهمت بنحو 216 مليار دولار في النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة عام 2015، وفقا لتقرير لمجموعة أوكسفورد ايكونوميكس الاستشارية.
(العربي الجديد)