الخطيب والديمقراطية

19 سبتمبر 2017
+ الخط -

قال خطيب الجمعة إن التخلف الذي وقع فيه العرب والمسلمون والمصائب التي صارت تنهال على الأمة، هي بسبب كثرة الذنوب والمعاصي. ومن هذا المنطلق، الرجل لم يحدد بالضبط ذنوب من يقصد، هل ذنوب الحكام؟ أم الشعوب المطحونة؟ أم هما معاً.

يصر الفقيه على نظريته وفكرته متناسياً أو متجاهلاً أن الأمم الناجحة، والتي قطعت شوطاً كبيراً في سبيل رخاء وتنمية شعوبها، إنما وصلت لما وصلت إليه بفضل نضالها المستمر طيلة عقود كاملة، ضحت من خلالها هاته الشعوب المحترمة، لتعلي قيم الكرامة والعدالة الاجتماعية والحرية وحقوق الإنسان. شعوب قدمت الغالي والنفيس من أجل الوصول لمنظومة كاملة ومتكاملة لمفهوم الديمقراطية وكل الحقوق الإنسانية المرافقة لها.

تلك الشعوب أعلت قيم العلم والعمل ونفضت عنها خرافات ماضيها وأوهامه وتحررت من سلطة النقل والتبعية، لسلطة العلم والعقل واستحضار المنطق والنقد في أي مجال. شعوب ناقشت محرماتها وتابوهاتها بجرأة ويقين، لتصل بذلك باسم الشعب والسلطة الشعب، لتحديد المفاهيم بشكل واضح منطلقة نحو تعاقد اجتماعي واضح وملزم للجميع.

تجاهل الإمام المحترم قيم العدل وحقوق الإنسان، وأهمل حق الشعوب في اختيار من يحكمها بإرادة حرة، وتناسى أن الشعوب الحرة وحدها من تصنع التاريخ والتغيير. أما الشعوب المكبلة تحت أي دعوى أو نظرية أو عنوان، إنما هي أمم ضعيفة ومسجونة ومسلوبة الإرادة وليس لديها أي فرص حقيقية للتغيير. شعوب مطحونة لا يمكنك أن تنتظر منها الكثير. لم تحرر حتى نفسها، فكيف تنتظر منها تحرير الأقصى؟

والحقيقة، أنَّ تكرار الخطيب للخطب ذاتها كل سنة، والمعاني نفسها، يجعلك شيئاً فشيئاً تفقد بعض إيمانك، ويصلكَ إحساسٌ ساخِرٌ من داخلك لكونك تسمع موظفاً يخطب في الناس. 


العالم العربي اليوم دخل عصر ظلماته الخاص به، وكثير من الدماء سُفِكَت، ودماء أخرى ستسفك، ولن تتوقف هاته اللعنة حتى يدرك الحكام أن الطريقة الوحيدة لحكم الشعوب ليس سوى فسح المجال لها للتعبير عما تريد، وهو أن التفاهم والتوافق المجتمعي وسياسات الاحتواء هي الكفيلة بالحفاظ على الأوطان، وليس سياسات زوار الليل، ونظريات ما وراء الشمس.

8206348D-63EB-4862-A5D7-282AAE68BC63
عمر بوفوس

كاتب مغربي وروائي شاب في أول الطريق.

مدونات أخرى