أيمكن واقعياً تحميل نظام الأسد كل ما يعانيه المهجرون والمهاجرون من فقر وجوع وضياع، لطالما فتحت لهم بعض الدول كل سبل الحياة وعاملتهم بالسوية ذاتها، إن لم نقل أكثر، التي تعامل خلالها مواطنيها ومستثمريها ورجال أعمالها.
ولعل في التعاطي التركي مع السوريين، حالة ماثلة، أمنت أنقرة خلالها كل مناخات العمل، بل ومنحت رأس المال السوري فرصاً أثارت الحساسية والتشكي من بعض الرساميل التركية، نظراً لتماثل وليس التكامل، في المهن التي أسسها بعض السوريين، سواء معامل الغزل والنسيج أو حتى مشروعات الإطعام.
آخذين بالاعتبار الذهنية التي كرسها نظام الأسد، عبر عقود حكمي الأب والابن، والتي كرست الالتفاف على القانون وأسست لأمراض الرشى والاتكالية، والتي- تلك الذهنية – لا يمكن الركون إليها كذريعة، إذ الانقلاب عليها، أو هكذا يفترض، من أولويات الثورة وأولى مهام منظري الاحتجاج في ثورة آذار 2011.
في صيغة أخرى وأكثر مباشرة..كم شركة أسسها رجال الأعمال السوريين المعارضين خارج سوريا، بعد أن انقلبوا على الأسد وثاروا على نظام القمع والاستبداد، ليشغلوا العمالة السورية ويحفظوا ماء وجوه شركائهم في الثورة، لطالما تخلصوا من قوانين الضرائب والإتاوات التي كان تفرضها قوانين الممانعة أو يمارسها أركان النظام ؟!.
كم شركة إنتاج تلفزيوني لاحقت كتاب السيناريو المعارضين وكم مخرج تحايل على الفنانين وتوسط لدى أصدقائهم ليقبلوا بأدوار بطولة، في صناعة بلغت في سوريا حد الريادة قبيل الثورة ؟!، وأيضاً، كم من جامعة، عربية وعالمية، رجت أساتذة الجامعات وحملة الدكتوراه من المعارضين السوريين، لتفد طلبتها بخبرات وطرائق تعليم المنشقين عن نظام الأسد.
كم من وسيلة إعلامية لاحقت الصحافيين والكتاب المعارضين، لتضمهم إلى فرقائها، وكم عنوان كتاب أصدرت المعارضة السورية خلال 4 سنوات الثورة؟ّ
هل استفادت الأيدي العاملة السورية من فرص العمل واختلاف سعر الصرف، في تركيا على الأقل، فسعت للعمل لتعل أسرها بطرائق شريفة، أم تراها لجأت إلى المخيمات، لتشارك اليتامى والفقراء المعونات والغذاء والسكن.
باختصار: من المفترض أن تتفجر مواهب وكوامن السوريين التي انوا يتذرعون أن النظام يكبتها، بيد أن جل السوريين المعارضين، لم يعرفوا طريقاً للخروج من ذهنية التشكي والاستجداء، ربما لاعتبارها الطريق الأقصر والأسهل في المقاومة، بل رمت، ولم تزل جلّ تبعات فشلها للدول المانحة والأصدقاء رغم أنهم لا يتبرؤون من بعض مسؤولية.
نهاية القول: قد يكون غياب ثقافة العمل والتعاطي المؤسسي والتنافسية التي أسهها حكم الأسدين في سوريا، وتابعتها المؤسسات السياسية المعارضة وسار في سياقها معظم السوريين، من أهم ما سيواجه سوريا بعد الثورة، فتحديات إعادة إعمار الحجر ليست المشكلة الأكبر في واقع تهافت الشركات العالمية ولهاث المانحين والمقرضين، لكن إعادة بناء السوريين وفق ما تقتضيه المرحلة وواقع سوريتهم، قد يرميهم بعجز واستلاب، ليس نتيجة ديونهم وفوائدها فحسب، بل ولأنهم باتوا من الاستهلاكية ما يجعلهم يرهنون مصائرهم ليستمروا في النضال اللفظي والشعاراتية الممجوجة.