اقرأ أيضاً: واشنطن والعبادي... اتفاق على تحجيم مليشيات "الحشد" تمهيداً لحلّها
مراحل الخطة الأميركية
بحسب تصريحات ضابط كبير في مكتب وزير الدفاع العراقي، خالد العبيدي، لـ"العربي الجديد"، فإن "التحضيرات الحالية لهجوم الموصل تستمر وعلى وتيرة أسرع خلال الأسابيع المقبلة". ويضيف الضابط العراقي أن واشنطن رفضت ثلاث خطط سابقة قدمتها رئاسة أركان الجيش العراقي لغرفة عمليات التحالف "اعتُبرت إحداها غبية، وأخرى ستكون محرقة للمدنيين".
وقال المصدر نفسه إن "الذي تم تحصيله من الرؤية الأميركية في خطتها المفترضة، وهي الأقرب للتنفيذ، يتضمن قصفاً جوياً مكثفاً على مواقع "داعش" وتدمير حقول الألغام حول المدينة وجميع أسلحة ومعدات التنظيم الثقيلة، عبر عمليات جوية تستمر عدة أيام، دون أي تحرك برّي. تعقبها عملية هجوم على مرحلتين: الأولى مهاجمة القرى والبلدات والأرياف التابعة للموصل من المحاور التالية؛ الجنوبي لجهة مدينتي بعشيقة وبيجي، وفصله عن الموصل. والشرقي من جهة أربيل ثم الخازر ثم مخمور. والمحور الشمالي من تلكيف وزمار، والذي يعد الأفضل حالياً بسبب سيطرة البشمركة على أجزاء منه. تتم بعدها السيطرة على المحاور الثلاثة بشكل كامل، بغرض تنفيذ خطة المعابر الآمنة لخروج المدنيين من الموصل".
وبحسب الخطة، يبقى المحور الغربي المتصل مع سورية عبر حدود دير الزور مفتوحاً لإفساح المجال أمام فرار من وصفهم الضابط بعناصر "داعش" الذين يقررون ترك القتال، إلى سورية، حيث ستكون بانتظارهم طائرات التحالف، التي يسهل عليها استهدافهم في المنطقة الصحراوية الشاسعة والبالغة نحو 90 كيلومتراً مربعاً.
ويبين الضابط أن "تلك الخطوات ستكون مرحلة أولى، قبل الهجوم على الموصل، وهذا ما استنتجناه من اجتماعات القيادات العراقية مع القوات الأميركية، التي رفضت ثلاث خطط عراقية اعتبرتها غير مجدية". وبالنسبة للمرحلة الثانية، فإنها لن تكون سهلة لمدينة مثل الموصل تبلغ مساحتها 14 ألف كيلومتر مربع تحتوي على تضاريس ومناطق صعبة للغاية لا يمكن للجيوش النظامية التعامل معها بطريقة تقليدية، بحسب المصدر.
ويؤكد أن بغداد ستوافق على الخطة الأميركية بالتأكيد، لكن قوات حشد الموصل تطالب بضمانات أميركية حيال الخسائر التي ستلحق بالمدينة وأهلها، كي لا تتكرر مأساة الرمادي ومن قبلها تكريت.
وتقدر تقارير عراقية وغربية عدد مقاتلي "داعش" الذين يسيطرون على المدينة بما بين ثلاثة وأربعة آلاف مقاتل، يملكون ترسانة عسكرية ضخمة استولوا عليها خلال سيطرتهم على المدينة واحتلال قواعد الجيش العراقي هناك، وغالبية المعدات أميركية الصنع.
وأنشأ الجيش الأميركي إذاعة باللغة العربية داخل معسكر مخمور، أطلق عليها تسمية الصندوق "أف أم" وهي موجهة لأهالي الموصل، وتبث على مدار الساعة بيانات وتعليمات للأهالي حول ما يجب أن يفعلوه، وتشجع على الثورة والانتفاضة الداخلية ضد مقاتلي "داعش" وعدم الانصياع لأوامرهم وتبث أغاني وطنية وأخرى من التراث الموصلي القديم.
ويوضح رئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس محافظة نينوى وعاصمتها الموصل، محمد البياتي، في حديث هاتفي مع "العربي الجديد"، أن الاستعدادات بدأت بالفعل لتحرير الموصل عبر وصول القوات المشتركة وستتواصل لفترة أخرى لحين الوصول إلى الجهوزية التامة للهجوم"، مبيناً أن "توقيت الهجوم سيكون بعد استكمال العدد المطلوب والتسليح".
بدوره، يؤكد الخبير العسكري العراقي العميد المتقاعد محمد القيسي لـ"العربي الجديد" أن "عملية الموصل يسبقها هجوم على بلدات ومدن أخرى يسيطر عليها "داعش"، مثل هيت والفلوجة والشرقاط، لكسر معنويات "داعش" خلال معركة الموصل ورفع معنويات الجيش العراقي والقوات الأخرى. لكن يجب الإقرار بأن القرار صار بيد الأميركيين منذ مدة، وليس حكومة حيدر العبادي".
مشاركة 3 تشكيلات عسكرية
في هذه الأثناء، تواصلت عمليات التحشيد العسكري للأسبوع الثاني على التوالي في منطقة مخمور، أو ما يعرف بمحور مخمور، وهو أقرب نقاط تماس مع مقاتلي "داعش"، الذين كثفوا تواجدهم بعد استشعار اقتراب الخطر واحتمال بدء الهجوم على المدينة، التي تمثل عاصمة ما يُعرف بـ"دولة الخلافة في العراق". ثلاث تشكيلات عسكرية مسلّحة تم الاتفاق على إشراكها بالمعركة المرتقبة واستبعاد مليشيات "الحشد الشعبي" بقرار أميركي، لم ينل رضا تلك المليشيات أو احزاب التحالف الحاكم في بغداد المقرب من إيران.
وتوافدت قوات من الفرقتين 15 و16، والتي خضعت لتدريب استمر نحو ستة أشهر، إلى مخمور جوّاً عبر مطار أربيل الدولي آتية من بغداد. ووصل تعداد هذه القوات لغاية الآن إلى نحو 4500 مقاتل، توحّدوا مع نحو خمسة آلاف مقاتل من معسكر تحرير الموصل. ويتألف الأخيرون (وهم التشكيل الثاني من هذه الفرق الثلاث) من قوات العشائر وسكان الموصل وجهاز الشرطة المحلية السابق، ويطلق عليهم اسم" الحشد الوطني"، ولا يرتبطون بمليشيات "الحشد الشعبي"، ويتلقون رعاية وتدريباً من القوات الأميركية و"البشمركة" الكردية.
وتشير المعلومات إلى أن الحكومة التركية قامت بدعمهم لوجستياً من خلال التكفل بدفع مرتبات الأشهر الثلاثة المنصرمة للمتطوعين بعد امتناع بغداد عن دفعها لهم، فيما تأتي قوات البشمركة كقوة ثالثة ومهمة في جهود التحرير المرتقبة.
ويبلغ عديد تلك القوات حتى الآن نحو 15 ألف مقاتل بواقع لواء مدرع ولواء صواريخ وثلاثة ألوية مشاة وكتيبة هندسية وفرقة مقاتلين محليين يطلق عليها اسم "أحرار الموصل" درّبتها قوة أميركية خلال الفترة الماضية. في المقابل، ستكون مظلة تلك القوات عبارة عن مقاتلات أميركية وفرنسية ترابط في قاعدة إنجرليك التركية الأقرب لمدينة الموصل من القواعد الأميركية الموجودة في الكويت أو حاملات الطائرات الرابضة على مياه الخليج العربي منذ نحو عام.
على المستوى الميداني، تتسارع الاستعدادات أكثر من أي وقت مضى، إلا أن الخلافات السياسية حول توقيت المعركة لاتزال واسعة بين بغداد وواشنطن والأكراد. وتتعرض حكومة حيدر العبادي لضغوط من قبل قيادات "الحشد الشعبي"، تصرّ على المشاركة في المعركة. وقال القيادي بمليشيا "الحشد"، هادي العامري، عن المعركة المرتقبة إنهم "سيشاركون رغماً عن أنف واشنطن وباقي المعترضين".
وتسعى حكومة العبادي في الوقت نفسه إلى تجاوز تلك الضغوط، إلا أن المليشيات باتت تناور بين المشاركة بالموصل أو السماح لها بالعودة الى الأنبار والمشاركة هناك، وهو ما ترفضه واشنطن أيضاً. بدورها، تعتبر قوات البشمركة أن مشاركتها بتحرير الموصل مهمة ثانوية، وترى أن هناك بلدات كردية في محيط إقليم كردستان، يجب أن تُحرر أولاً، وهو ما أكده قائد محور مخمور في قوات البشمركة، حاجي سعيد، بقوله "نحرر مناطقنا ثم نساعد على تحرير الموصل، والمعركة الخاصة بالموصل لم تحن بعد".
اقرأ أيضاً: العبادي: "الحشد الشعبي" أفرز جماعات خارجة عن إطار الدولة
موعد المعركة "مجهول"
في غضون ذلك، تتراوح تصريحات القادة العسكريين لواشنطن بخصوص موعد المعركة، بين من يقول إن الهجوم قريب وبين من يحدد موعد أقصاه نهاية هذا العام. ويفسر النائب العراقي محمد الجاف بحديث لـ"العربي الجديد" ذلك بقوله إن "واشنطن تستخدم سياسة البال الطويل في معركة الموصل، ولها أهداف تريد الحصول عليها قبل إعادة الموصل لحضن حكومة العبادي"، بحسب قوله.
ويرى الجاف أن واشنطن قد يكون في نيتها ربط ورقة الموصل مع الرقة والمباحثات الحالية مع موسكو بشأن القضاء على "داعش"، مستبعداً هجوماً وشيكاً على المدينة خلال الأشهر المقبلة على أقل تقدير، مضيفاً أن ما يجري الآن تحضيرات لمعركة كبرى واقعة لا محال. ويستدرك بقوله: "ستكون هناك عمليات تقدّم في المناطق والقرى الصغيرة المجاورة للموصل بشكل تدريجي وستكون هناك عمليات قطع طرق فرعية ترابية، تفضي إلى الموصل، ويستخدمها "داعش" في تنقلاته".
وفي انتظار معركة الموصل، يبقى مصير المدينة معلقاً، وسط مخاوف وقلق كبير ينتاب أهلها. ويقول الحاج طه الحمداني (48 عاماً) من سكان الموصل بحديث لـ"العربي الجديد" عبر (سكايب) إنّ "التنظيم يرفض خروجنا وكأنه يريدنا أن نحيا أو نموت معه؛ هو فعلاً يتخذنا دروعاً بشرية. نرجو أن نخرج من هذه المحنة سالمين، أو على الأقل أطفالنا الذين لم يروا من الحياة شيئاً"، على حدّ قوله.