الخطاب الإيراني حيال الدول الخليجيّة: تصعيد وتقارب

03 يناير 2015
إيران منزعجة من السعودية بسبب النفط (فاطمة بهراني/الأناضول)
+ الخط -
شهدت الأيام الماضية تصعيداً في التصريحات الإيرانية الموجهة لكل من السعودية والبحرين على وجه الخصوص، وهي التصريحات التي قوبلت برد خليجي ممتعض، إذ اعتبرها مجلس التعاون الخليجي تدخلاً إيرانياً سافراً في شؤون دول مجلس التعاون ودول المنطقة.

ويرتبط التصعيد الأول بالبحرين، إذ لطالما شغل ملف شيعة هذا البلد بال إيران. واحتل خبر اعتقال الأمين العام لجمعية "الوفاق الوطني" الإسلامية المعارضة، علي سلمان، مساحة كبيرة من تصريحات المسؤولين الإيرانيين، كان أبرزها مطالبة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بالإفراج الفوري عن سلمان. ولم يكتف بذلك بل قام بالاتصال بنظرائه من عدة بلدان ناقلاً إليهم تنديد بلاده بهذا القرار "الذي يمس بالحقوق والحريات العامة"، داعياً إياهم للمطالبة بالإفراج عن سلمان كونه شخصية سياسية ودينية هامة.

من جهته، أصدر رجل الدين حسين نوري همداني بياناً، نشر على موقع الحوزة العلمية في قم،  يندد بهذا الاعتقال، ويطالب منظمات المجتمع الدولي بالوقوف بوجه ما اعتبره انتهاكاً لحقوق الإنسان.

وفي السياق نفسه، اعتبر رئيس الدائرة العربية في الخارجية الإيرانية، حسين أمير عبد اللهيان، اعتقال سلمان بأنّه قرار متسرّع وغير مدروس، كونه سينعكس على البحرين وعلى المنطقة ككل، في وقت يعاني منه الجميع من ظروف إقليمية حساسة، محذراً من أن مملكة البحرين لن تكون قادرة على تحمّل تبعات هذا الأمر.
كما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، "إرنا"، عن عبد اللهيان قوله إنه اجتمع بالملك البحريني، حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، وكان هذا على هامش مراسم أداء قسم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة، وإنه نقل له ضرورة التركيز على فتح حوار وطني لتلبية متطلبات المحتجين، فاعتبر بالتالي أن اعتقال سلمان يتناقض وهذا الاجتماع الذي جرى في أجواء إيجابية، حسب تعبيره.
وانتقد عبد اللهيان ما اعتبره تدخلاً سعودياً في البحرين، في إشارة إلى إرسال قوات درع الجزيرة الخليجية إلى البحرين.
هذا في ما خص البحرين، أما بالنسبة للسعودية، فقد انتقدت إيران ما تعتبره دوراً سعودياً في تراجع أسعار النفط في السوق العالمية، إذ إنّها اعتبرت في وقت سابق أنّ تهاوي الأسعار مؤامرة سياسية جديدة للضغط عليها، فالبلاد تعتمد في موازنتها على سعر برميل النفط، ورغم أنها أقرت ميزانية العام الجديد على أساس سعر 72 دولاراً للبرميل الواحد، غير أن الانخفاض المستمر للأسعار، تزامناً مع رفض السعودية والولايات المتحدة خفض الإنتاج النفطي العالمي سيجعل إيران أمام تحدٍ جديد.

وقال عبد اللهيان، في هدا الخصوص، لوكالة أنباء "رويترز"، إن الصمت السعودي وعدم اتخاذ خطوات جدية للوقوف بوجه تهاوي الأسعار هو خطأ استراتيجي بحت، مشيراً إلى أنه سيكون لهذا الأمر تبعاته السلبية على كل دول المنطقة.
ورغم أن بعض المسؤولين الإيرانيين حمّلوا صراحة مسؤولية انخفاض أسعار النفط للرياض، غير أنّ الخارجية الإيرانية لطّفت تصريحاتها قليلاً في الآونة الأخيرة، فعبد اللهيان نفسه قال إن لهذا الانخفاض عوامل كثيرة وليس عاملاً واحداً فقط في إشارة منه للدور السعودي.

وفي وقت سابق، ذكرت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية، مرضية أفخم، في مؤتمرها الصحافي الأسبوعي الأخير الذي عقدته الأربعاء الماضي، أنه من غير المنصف القول إن طرفاً واحداً هو المسؤول عن هذا الوضع، معتبرة أن التعقيدات الإقليمية هي التي تزيد الوضع سوءاً، وطالبت كل المعنيين باتخاذ خطوات حقيقية لتحسين الوضع. كما أعلنت الخارجية الإيرانية أنها ستفتح خط حوار مباشر مع المملكة حول موضوع النفط، وأشارت إلى أن العلاقات الدبلوماسية فاعلة بين الطرفين، وستتحسن فور توفر الظروف المؤاتية.

هذا على المستوى السياسي، أما في الجانب العسكري، فإن الاستعراض الدائم للعضلات العسكرية الإيرانية يعمل على خلق توازن من نوع آخر. ففي وقت تتبنى فيه الحكومة خطاب الدبلوماسية رغم التصعيد في التصريحات بين الحين والآخر، ترفع المؤسسة العسكرية شعار تحقيق الجهوزية وبناء قوة الردع بشكل دائم.
وحملت المناورات البرية والبحرية والجوية التي قام بها الجيش الإيراني لمدة ستة أيام طيلة الأسبوع الماضي، الرسالة نفسها؛ فهذه المناورات أجريت بالقرب من مضيق هرمز، كما أن جزءاً منها أجري في جنوب شرقي البلاد على الحدود مع باكستان.

وقال القادة العسكريون إنها تحمل رسالة لكل المنطقة، إذ إنّ إيران قادرة على حفظ أمن كل دولها، ما يعني رفضاً إيرانياً للوجود العسكري الأجنبي في المياه الخليجية تحديداً. لكن في مقابل هذا التصعيد في التصريحات الإيرانية والتعقيدات السياسية التي تعترض بين الفينة والأخرى سبل تطوير العلاقات الإيرانية ـ الخليجية، فإنّ طهران تحاول قدر الإمكان الحفاظ على التوازن في العلاقات مع الدول الخليجية ولا سيما مع الرياض.

وتتبنى الحكومة الإيرانية الحالية خطاباً دبلوماسياً منفتحاً نحو الآخرين، والتصعيد في التصريحات يعقبه تصريحات أكثر توازناً عادة؛ فإيران تضع تطوير علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي في مقدّمة الأولويات، ولكن الأمر يحتاج لترتيب بعض الأوراق، أولها حل أزمة الملف النووي وتوقيع اتفاق مع الغرب، وهو ما سيسمح لإيران بفتح باب هذه العلاقات التي ستسمح بالتالي بتعاون أكبر لحل ملفات أكثر تعقيداً وفي مقدّمتها الأزمة السورية.
المساهمون