أخيراً، دحض ما روّج له المستعمر زمناً بقصد تبرير وجوده في مناطق الغنى البيئي، خصوصاً في المناطق الأفريقية، حتى كادت البشرية أن تتأكد من أن أهل البشرة السوداء لا قدرة لهم على التعلّم والتحليل المنطقي وتطبيق المعرفة والتقييم واتخاذ القرار المناسب، على الرغم من أنهم كانوا يبتكرون أسبابا للحياة، ويعيشونها باستمتاع جلب لهم الخمول والكسل الذهني.
ووجدت دراسة حديثة أن تربية الأطفال في مناطق تحيط بها الخضرة تزيد من مساحات المادة البيضاء والمادة الرمادية في أجزاء معينة من الدماغ لها ارتباط وثيق بالمهارات المعرفية. كما استطاع باحثون بريطانيون من كلية إكستر الطبية التوصل إلى أن المساحات الخضراء تحسن صحة الإنسان العقلية والبدنية على المدى الطويل، وقد استخلصوا نتائجهم بعد تحليل بيانات أكثر من ألف شخص انتقلوا للسكن فى مناطق أكثر خضرة لمدة خمس سنوات.
في المقابل، فإنّ الحرمان من المناظر الخضراء، بحسب الخبير البيئي عيسى عبد اللطيف، يعوق القدرة على التركيز ويزيد من معدل القلق والاكتئاب. وارتبط شح المساحات الخضراء وانعدام المناظر الطبيعية بمعدلات أعلى من السمنة لدى الأطفال، والعديد من الأمراض، وزاد معدل الوفيات لدى الأطفال وكبار السن. كما ارتبط بزيادة العنف والجريمة والإحساس بالوحدة وقلة الدعم الاجتماعي.
والأمراض غير موجودة في المناطق الأفريقية ذات المناخات المساعدة على استدامة الخضرة، بل حتى العنف الذي يروج لاستيطان أفريقيا لا يقارن بما أُدخل قسراً بواسطة القادمين من بعيد، وجُلُّه من أجل إظهار القوة وغرس الخوف في نفوس البسطاء حتى يتمكن الغرباء من سرقة الموارد.
ولأنّ في قرارة نفس السكان الأصليين أن كلاً منهم مسؤول أمام الأجيال اللاحقة عن استدامة هذا العطاء البيئي، تجدهم الأقل إهداراً لبيئاتهم وفقاً لمتطلبات حياتهم البسيطة، وقد تمكنوا عبر القرون من إبقاء هذه الرسالة البيئية بينهم، لكن الغرباء هم من ظلوا يطمسون هذه البصمة، ويبقون على مفاهيمهم حرصاً على مصالحهم.
وأوجد التربويّون الأوائل نهجاً يقضي بجعل مرافق التعليم خضراء حرصاً على نجاح العملية التعليمية. ويرى الخبراء أن إهمال المساحات الخضراء في التخطيط العمراني، وصعوبة الوصول إلى البيئات الطبيعية، تقصير كبير في حق السكان، خصوصاً الأطفال.
وفي إطار مشروع بحثي في مدينة برشلونة، ثبت أن التعرض للخضرة والمناطق الطبيعية ضروري للنمو العقلي السليم. وكان التلاميذ في المدارس الخضراء أكثر قدرة على التركيز والتذكر من أولئك الذين يدرسون في مدارس فقيرة الخضرة. فالمساحات الخضراء تحد من تلوث الهواء والضوضاء وتساعد التلاميذ على الاستقرار النفسي وتمنحهم فرصة أكبر للاستكشاف والإبداع.
*متخصص في شؤون البيئة