عادت المواجهات بين الحكومة السودانية والمجتمع الدولي إلى السطح من جديد، على خلفية اتهامات وُجّهت لكتيبة تتبع الى الجيش السوداني بارتكاب عملية اغتصاب جماعي لمائتي امرأة في قرية تابت في إقليم دارفور.
ولاقت القضية اهتماماً دولياً واسعاً، إذ بدأت تحركات مكوكية داخل أروقة مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرارات ضد الخرطوم، الأمر الذي قاد الحكومة السودانية الى استباق الخطوة والإعلان أمس الأول عن طلب تقدمت به للبعثة المشتركة للاتحاد الافريقي والأمم المتحدة لحفظ السلام في دارفور (يوناميد) بمغادرة البلاد، عبر الشروع فوراً في إعداد استراتيجية الخروج.
"اليوناميد" بدورها أقرت بتسلمها الطلب الحكومي، لكنها أكدت في الوقت نفسه أن قرار إنهاء مهام البعثة في دارفور مرتبط بالتقييم الذي سيقدّمه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في الثامن والعشرين من شهر فبراير/شباط المقبل.
وقالت في تصريح إن مجلس الأمن تبنّى في جلسة بتاريخ 27 أغسطس/آب الماضي خطة عمل "اليوناميد"، وأقر ضمنها استراتيجية الخروج والتي ستتم بعد تقديم بان كي مون لتوصيات وتحليل حول مستقبل البعثة وتكوينها وضبطها واستراتيجية خروجها.
وأكدت أنه بناء على ذلك سيُتخذ القرار بشأن البعثة، معلنة أنها مستمرة في سياسة تقليص حجم البعثة من العتاد والبشر وفقاً لقرارات مجلس الأمن في عام 2012، معتبرة أن إنهاء عمل البعثة سيكون له تأثير على مئات الوظائف التي يشغلها سودانيون ودوليون.
أما سلطات الخرطوم فحاولت الربط بين طلبها من "اليوناميد" الإعداد لمغادرة البلاد، والتصعيد الدولي لقضية الاغتصاب، باعتبار أن الخطوة من شأنها أن تحرم دوائر في "اليوناميد" من الكسب عبر العمل في البعثة، بحسب تصريح وكيل وزارة الخارجية السودانية عبد الله الأزرق.
لكن مراقبين يرون أن الإعلان عن الخطوة الآن على الرغم من أنها تمت قبل أسبوعين أي قبل أحداث قرية تابت، قصدت منه السلطات السودانية قطع الطريق أمام التحركات الدولية لاستصدار أي قرارات ضدها بالتلويح بالتصعيد وطرد "اليوناميد".
وسبق للحكومة السودانية أن رفضت إبان اندلاع الحرب في دارفور وما تبعها من اتهامات لها بارتكاب جرائم حرب، نشر أي قوات أممية في الإقليم، لتعود وتوافق على مضض بعد تصعيد لغة المواجهة مع المجتمع الدولي على نشر قوات مختلطة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي عُرفت بقوات "اليوناميد" في عام 2007 وبلغ عددها 19 ألف عنصر، وخضع العدد للخفض أكثر من مرة لا سيما أن قراراً صدر بخفضها إلى 14 ألفاً بحلول العام الحالي.
ولم تكن علاقة الأمم المتحدة ومنظماتها العاملة في السودان جيدة بأي حال من الأحوال مع الحكومة في الخرطوم، التي تنظر إلى هذه المنظمات بعين الريبة والشك، وعادة ما تتربص بها وتتصيد أخطاءها، إذ ترى في نشاطها محاولة لجمع المعلومات واستغلالها في المحافل الدولية ضد البلاد.
وسبق أن أقدمت الحكومة في وقت سابق على طرد ممثل الأمم المتحدة يان برونك، كما طردت ست منظمات أجنبية من البلاد بعد أن اتهمتها بتجاوز تفويضها.
ويرى المحلل السياسي عبدالمنعم أبو ادريس، أن الحكومة تهدف من إعلان طلب مغادرة "اليوناميد" في هذا التوقيت بالذات، لاستباق جملة من الخطوات الدولية، بينها التقرير الدوري الذي يُنتظر أن يقدّمه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لمجلس الأمن، والتقرير الذي ستقدّمه "اليوناميد" الى المجلس أيضاً، إذ تسعى الحكومة للضغط على البعثة حتى لا تتخذ مواقف متطرفة ضدها.
ويعتبر أبو ادريس في حديث لـ"العربي الجديد" أن الخطوة في حال تمسّك الحكومة بها، ستضعها في مواجهة مع المجتمع الدولي، ولا سيما أن التقارير الصادرة من إقليم دارفور لم تشر إلى وجود استقرار كامل في الإقليم المضطرب، على الرغم من إشارتها لانحسار التمرد في مقابل تصاعد عمليات المواجهات القبلية والاعتداءات على المنظمات بما فيها بعثة "اليوناميد".
وكانت السلطات السودانية قد سهّلت الخميس وصول وسائل إعلام محلية وأجنبية إلى قرية تابت التي يقطنها حوالي أربعة آلاف نسمة وتضم بداخلها 12 من القبائل الدارفورية، للوقوف على الاتهامات هناك، واستطلاع رأي أهالي المنطقة.
واعتبرت الخارجية السودانية الخطوة بمثابة تحرك لمخاطبة من سمتهم بالعاقلين في مجلس الأمن للحد من أي عقوبات مرتقبة ضد السودان.