يتّجه السودان ليكون مركزاً لقوات الدفاع العربية المشتركة، التي من المقرر تشكيلها، فيما تم تحديد اجتماع مطلع شهر مايو/ أيار المقبل لوزراء خارجية الدول العربية التي ستتشكل منها تلك القوات، لبحث الترتيبات المتصلة بإنشاء هذه القوات على الأرض.
وفيما يؤكد مصدر سوداني، لـ"العربي الجديد"، أنه "وقع الاختيار على الخرطوم لإنجاز تلك المهمة"، يقول المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية، علي الصادق، لـ"العربي الجديد"، إن القضية سابقة لأوانها، وإنه لم يتم حتى الآن طرح موضوع استضافة السودان لتلك القوات.
ويرى محللون أن للسودان إمكانات لوجستية وبنيات تؤهله لاستضافة جزء من تلك القوات تدريباً وقيادة، باعتبار موقعه الاستراتيجي في قلب المنطقة العربية، الأمر الذي يسهّل عملية نقل القوات مقارنة بأي دولة أخرى. لكنهم يؤكدون أن التنفيذ سيتطلب من الخرطوم اتخاذ خطوات جدية في ما يتصل بإزالة الاحتقان السياسي الداخلي وإنهاء الحروب المنتشرة في إنحاء البلاد عبر الوصول لاتفاق سلام شامل وتسوية سياسية كاملة، تفضي لحكومة انتقالية تشارك فيها كل القوى السياسية بما فيها المعارضتان المسلحة والسلمية.
ويشير المحللون إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد ضغطاً ومبادرات عربية ودولية لإنهاء الأزمة السودانية الداخلية، لضمان البيئة المناسبة لقوات الدفاع المشترك، معتبرين أن المؤتمر التحضيري الذي سيُعقد في أديس أبابا، اليوم الأحد، ويجمع الحكومة في الخرطوم مع الجبهة الثورية، ممثلة في "الحركة الشعبية قطاع الشمال" والحركات الدارفورية، إضافة إلى حزب "الأمة" المعارض بقيادة الصادق المهدي، يُشكّل نافذة للتسوية السياسية المنتظرة.
ولعب الجيش السوداني، عبر تاريخه الطويل، أدواراً إقليمية ودولية، الأمر الذي أكسبه في فترة من الفترات سمعة إقليمية ودولية فضلاً عن خبرات عسكرية، لا سيما أنه خاض معظم حروب محمد علي باشا الخارجية إبان احتلاله السودان، فضلاً عن مشاركته للقوات الفرنسية حربها في المكسيك في نهايات القرن التاسع عشر، إضافة إلى دوره البارز في الحربين العالمية الأولى والثانية. كما أسهم هذا الجيش في أنشطة حفظ السلام ومراقبة وقف إطلاق النار من خلال عمله مع الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي. كما شارك في عمليات تحرير سيناء في 1973 وفي الحرب ضد اسرائيل، بدءاً من جنوب لبنان، وكان جزءاً من قوات الردع العربية هناك.
وسبق للسودان أن اختير في سبعينيات القرن الماضي كمركز لقيادة القوات العربية، إلا أن هذا الأمر لم يحقق مكاسب سياسية واقتصادية للخرطوم التي عانت طيلة الفترة الماضية من أزمة اقتصادية زادت مع انفصال الجنوب وتكوين دولته المستقلة في العام 2011، مقابل خروج إيرادات البترول من خزينة الدولة والتي كانت تشكل ما يربو عن 70 في المئة من الإيرادات. وستنهي موافقة الخرطوم على احتضان القوات العربية، حالة القطيعة مع الدول العربية، خصوصاً مع دول الخليج، الأمر الذي يُتوقع أن يؤدي إلى جذب استثمارات أكبر للسودان.
اقرأ أيضاً: دور السودان في "عاصفة الحزم": فتح منافذ البحر الأحمر
ويقول القيادي في حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم، حسب الله صالح، إنه في حال صحت الأنباء عن اختيار السودان كمركز لتلك القوات، فهو مؤهل تماماً لقيادة تلك المهمة، ولا سيما أن السودان متقدم جداً في القضايا العربية ولديه مشاركات فاعلة في الملفات العربية منذ التاريخ البعيد.
ويشير صالح، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى احتضان الكليات العسكرية السودانية لعدد من العسكريين الأفارقة والعرب لتدريبهم، نافياً وجود أي معوّقات تجعل من الخرطوم غير مؤهلة، مشدداً على أن "البلاد مستعدة لاستقبال كل العرب وتدريبهم دفاعاً عن الأمة العربية".
من جهته، يرى المحلل السياسي، ماهر أبو الجوخ، أن الخطوة من شأنها تغيير المشهد السوداني وإدخال تغيير كامل للسياسة الخارجية السودانية لتنتقل من معسكر كان يُصنّف بقيادة المشاكل في المنطقة، معتبراً أنه "لا يُعقل أن يكون السودان مركزاً للقوات العربية، ويتخذ مواقف تُعدّ تهديداً للأمن القومي العربي".
ويلفت، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الحلف الجديد سيوفر للخرطوم احتياجاتها العسكرية واللوجستية، فضلاً عن فتح الباب أمام تحسين علاقاتها مع الغرب والولايات المتحدة، ما سيغلق الباب أمام تحالفاتها القديمة"، معتبراً أن "القضية برمتها ليست قضية قوات فقط وإنما إعلاناً مباشراً لتحوّل المواقف السياسية، الأمر الذي تترتب عليه نتائج اقتصادية ودبلوماسية في السودان، ما يستدعي معالجة الخلافات في الداخل السوداني".
ويرى أبو الجوخ أن السودان تُعتبر الأنسب لتكون مركزاً لتلك القوات باعتبار أن لديها البنية التحتية المناسبة، فضلاً عن وجود مبنى في العاصمة جهزته الأمم المتحدة لاستضافة قوات حفظ السلام، "اليوناميد"، والذي انتقلت منه مع انتهاء الفترة الانتقالية وانفصال الجنوب لانتهاء مهمتها في الخرطوم. ويستبعد أن تجد الخطوة المصير نفسه الذي لاقته في العام 1973 عندما اختير السودان كمركز لتلك القوات، قائلاً إن "الأوضاع اليوم تختلف عن السبعينيات، لأن هناك تهديدات حقيقية تجعل الدول العربية تمضي في ذلك الملف للتعامل مع التهديدات التي تحيط بها".
من جهته، يقول الخبير العسكري عبد الرحمن ارباب، لـ"العربي الجديد"، إن اختيار السودان ليكون مركزاً للقوات العربية لن يأتي عبثاً، باعتبار أنه يمتاز بعمق استراتيجي وهو بعيد عن العدو الإسرائيلي وعن العدو المحتمل إيران، فضلاً عن أنه مؤهل لقيادة عمليات كبيرة، إذ إن الجيش السوداني خاض حروباً، وإن كانت أهلية، لأكثر من 50 عاماً، وهي حروب عصابات وتُعتبر الأصعب، فضلاً عن مشاركته في كل الحروب العربية الإسرائيلية، الأمر الذي أكسب الجيش السوداني خبرات متراكمة، إضافة إلى أنه يتمتع بقدرات عالية بالتأقلم مع المعدات العسكرية الحديثة.
كما يلفت إلى أن "المطارات والقواعد الإدارية متوفرة في السودان، كما أن البلاد كانت في حرب اكتوبر 1973 العمق الاستراتيجي لمصر، واحتضنت كافة المعدات التي استُخدمت في تلك الحرب باعتبارها بعيدة جغرافياً عن إسرائيل".