الخبزيست... قبل فلسطين كانت الجزائر

19 اغسطس 2020
وضعت الإمارات مصالحها على حساب الحق العربي (عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -

في أوج ثورة التحرير الجزائرية عام 1958، وقّع الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة اتفاقاً مع السلطات الفرنسية، قامت بموجبه شركة "ترابسا" الفرنسية بمدّ أكثر من 510 كيلومترات من القنوات والأنابيب من منطقة عين أميناس الجزائرية إلى ميناء الصخيرة التونسي، وتستفيد تونس عبره من إتاوات تدفعها فرنسا.

غضبت القيادة الجزائرية من هذا الاتفاق، الذي يدل على سرقة واستغلال ثروات الشعب الجزائري، وهو في قلب معركته التحررية. يومها، نشرت صحيفة "المجاهد"، الناطقة باسم الثورة والحكومة الجزائرية المؤقتة، في صدر صفحتها، عنواناً كبيراً باللغة الفرنسية، "الخبزيست"، أي الباحث عن الخبز، ما يعني "المصلحجي". ظهر هذا التوصيف للمرة الأولى، رداً على التبرير الذي قدمه بورقيبة حينها لقادة الثورة، عندما قال لهم "أنا آكل الخبز، وأنتم ستستفيدون من وراء ذلك أيضاً".

لعل التاريخ يعيد نفسه، لأن أغرب ما في اتفاق التطبيع الإماراتي - الإسرائيلي، ادعاء أبوظبي أنه موجه لمصلحة الفلسطينيين، ولوقف مشروع ضمّ أراضي الضفة الغربية المحتلة، وذلك كذبة سياسية وزعم فاسد وانتحال صفة أفظع من التطبيع في حدّ ذاته، ليس فقط لأن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين تنفي أيّ علاقة بين الاتفاق والمصلحة الفلسطينية في وقف الضم، ولأن الإمارات لا قِبْل لها بلعب أي دور في رسم حدود إسرائيل ونقاط توقف مشروعها التوسعي فحسب، بل لأن الإمارات وضعت مصالحها على حساب الحقّ العربي.

كان الأَولى بالتطبيع الإماراتي تصحيح العلاقة مع الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، الذي قطعت أبوظبي أواصر العلاقة معه منذ العام 2014، وكان الأولى بهذا التطبيع دولة قطر، وكان اليمن أولى بالتطبيع الإماراتي بدلاً من دكّ هذا البلد دكاً، والعلاقة الأولى بالتطبيع هي مع مكونات المؤسسة السياسية في ليبيا، بما يُسهم في حلّ الأزمة وسحب عوامل الاحتراب، وليس مع دولة احتلال لن تؤمن عربياً من خوف، ولن تطعم أحداً من جوع، والتاريخ كاشف والزمن كشّاف.

قبل سنوات، تحدث المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري عن "اليهودي الوظيفي"، وكان يقصد خدم إسرائيل من غير اليهود الإسرائيليين. تحدث المسيري عن أفرادٍ وجماعات فقط، لكنه لم يخبرنا أنه سيأتي زمن تكون فيه دول عربية بحالها في علاقة خدمية مع هذا الكيان المحتل، ومعها نخبة مرتدة عن قيم الحق الإنساني.

لا أحد فرض على أي دولة عربية أن تعلن الحرب على إسرائيل، لكن على الأقل لا تثخن في الجسم الفلسطيني جرحاً آخر، ولا أحد طلب من أي من نخب التطبيع وتبرير التطبيع، أن يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين، لكن على الأقل لا أحد يدفعهم لأن يكونوا صهاينة أكثر من الصهاينة أنفسهم... لا مصلحة في ذلك.

المساهمون