الخاسرون لا يضعون الشروط

08 يناير 2015
لدينا طرف يبدو قويًا بالبطش وبالنفط (Getty)
+ الخط -

ثمة إشكاليتان حقيقيتان في الحدث المصري منذ 30 يونيو/حزيران 2013، الأولى تتحدد في سؤال "ثورة دي ولا انقلاب؟"، والثانية في سؤال التفاوض، وكلاهما، وإجابة كل طرف عن السؤالين، لا يلقي فقط بظلاله على كل شيء في مصر، ولكنهما أيضًا يعبران، ويا للأسف، عن عقلية طرفي الصراع في أم الدنيا.

والأساس في هاتين الإشكاليتين، هو عماء وبلاء اختلاط الأسماء، فيقع على فعل واحد "محدد" عدة أسماء، أو يوصف بمعنى آخر غير الذي عبر عنه، فيقال على تحرك عسكري واضح من الجيش خارج إرادة السلطة المنتخبة لعزل السلطة المنتخبة، إنه ثورة! ويقال إن التفاوض خيانة أو ضعف! وكون طرفي أخطر وأسخف صراع في مصر ما بعد القرن العشرين يرفضان الاعتراف بحق اللغة في امتلاك سلطة توصيف الأفعال كما اعتادت؛ هو أمرٌ يدعونا إلى التفكير في جدوى الشعور بأي شيء سوى بؤس محاولات التاريخ في صناعة ملحمة غير هزلية.

وعمومًا، إذا كان طرف الانقلاب يرفض وصف "الانقلاب" بغشامة، فيبدو أنه أقدر من الطرف الذي يرفض التفاوض بالخسران المبين، ولأن طرفًا لدينا يبدو قويًا بالبطش وبالنفط الذي أودى صاحب السعادة به دون اكتراث ليغيط به الروس والفرس؛ فالاستمرار في الخسران مدعاة للرثاء.. رثاء جنس البشر ذوي العقول.

انقلاب وتفاوض:

في معجم المعاني الجامع، الانقلاب هو: "تغيير مفاجئ في نظام الحكم يقوم به في العادة بعض رجال الجيش". وبحسب الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، فالانقلاب هو: "إزاحة مفاجئة للحكومة بفعل مجموعة تنتمي إلى مؤسسة الدولة، عادةً ما تكون الجيش، وتنصيب سلطة غيرها". إذن فالتعريف إجرائي، وهو منطبقٌ على ما حدث في 3 يوليو/تموز 2013، والتعريفات الإجرائية لا تعطي مجالًا للحكم القيمي؛ ذلك يتحدد لاحقًا، عندما يكتب التاريخ. ودعونا لا ننسى أن انتفاضة 25 يناير/كانون الثاني، انتهت بانقلاب على الرئيس، وانتهى الأمر إلى تسليم السلطة لمنتخبين في مؤسسات الدولة، وأن سوار الذهب في السودان قام بانقلاب، ليسلم السلطة لمنتخبين في مؤسسات الدولة، وأن الكوريين الآن يدينون بالفضل في نهضتهم الاقتصادية والصناعية المهولة، لشونج هي، وهو نفسه من قام بالانقلاب العسكري عام 1962.

والمفاوضة في المعجم الوسيط: "مبادلة الرأي بغية الوصول إلى تسوية واتفاق"، وفي معاجم المصطلحات السياسية، التفاوض هو عملية تستهدف الوصول لحلول مقبولة لدى طرفين يربطهما موقف مشترك، وعامةً، التفاوض هو عملية حيوية، وجزء من خبرة البشر، نستخدمه في معظم معاملاتنا الحيوية.

لكن في المجال السياسي، متى يتم التفاوض ولماذا؟

في رأيي أن سؤالًا كهذا، وحين إسقاطه على الحالة المصرية، يستوجب استدعاء سلسلة الفشل التي مني الإخوان بها، والتي جعلت موقفهم من ضعيف لأضعف على كافة المستويات، ولسنا في معرض تفنيد أسباب الفشل، ولكن إذا ذكرنا منها: المكابرة، الغباء، عدم القدرة على التعامل مع الواقع، القدرة المهولة على خسارة الحليف، والشيخوخة، فنحن بذلك نوضح الصورة التي تمثل واحدًا من أطراف الصراع، ولماذا ينبغي له الدخول في أسرع عملية تفاوض ممكنة، مع أقل قدر من الشروط المسبقة، أو لماذا عليهم الجنوح لعملية المصالحة المرتقبة بين تركيا ومصر، وفقًا، وفقط، للشروط التي وضعتها تركيا على لسان جاويش أوغلو، وزير خارجيتها، الذي رهن تطبيع العلاقات بين بلاده ومصر، باتخاذ الحكومة المصرية "خطوات في اتجاه الديمقراطية، وإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان، والإفراج عن المعتقلين، وإشراك المعارضة في العملية السياسية".

والحقيقة أنني أرى أنها جملة من الشروط المرضية للغاية، والتي قد لا تضطر الجماعة معها إلى حلّ نفسها بغية المصالحة أيضًا (قبل تحللها الطبيعي)، إذ يبدو من الأفق المسدود للغاية، أنه لا مجال للحديث عن مجال عام يستطيع المصريون فيه التنفس، الأكل والشرب، الشعور بالأمن، أو حتى التفكير في الزواج بعيدًا عن مصالحة، ستخضع بالضرورة للقدر الأكبر من شروط الأقوى/نظام الانقلاب، لكنّها في الوقت نفسه، ستخرج لنا عشرات آلاف المعتقلين، وتؤمن مثلهم من المطاردين والهاربين، وتخلصنا من الترهات التي اكتفينا منها: رطانون في الإعلام، وقضاة مشبوهون في أخلاقهم، ومرتضى منصور، وآخرون في الخارج (التركي غالبًا) يقتاتون على قفا المكلوبين هنا بين قتيل، أسير، وحزين.. ولعلها ستفتح لنا مجالًا للحياة دون خوف.

المساهمون