لا نقوى على الشعور. نسرق ما تبقّى من حياة في لبنان. وربّما لم تعد تعنينا. نشعر أننا نجلس بين الركام من دون أن نكون قادرين على الحركة. أيّ كابوس قد يأتينا ليلاً قد يتحقق. هي دعوة إلى اللبنانيين بأن يتوقوا عن الحلم، أيا كان، ولو كان شراء نبتة صغيرة ووضعها في البيت.
الذهول يرفض أن يفارق الوجوه. ولماذا يفعل؟ هي قنبلة نووية غيرت معالم بيروت. العودة إلى لحظة الخروج من الحرب الأهلية، ولحظة الخروج من حرب تموز التي استمرّت 33 يوماً. هذه اللحظات لا بد أن تتكرّر في حياة اللبنانيين. والجميع يردد السؤال نفسه: "ماذا بعد؟ لكن هل هناك أسوأ؟". يقول أحد المواطنين: "حتّى التنفّس صار كثيراً علينا؟"، مشيراً إلى السموم التي صارت موجودة في الهواء.
وكما في كل أزمة، تأتي المبادرات المجتمعية، سواء كانت من جمعيات أو شباب متطوعين، لتحل محل الدولة، وتقدم ما تيسر من مساعدات، وتساعد الناس على كنس الزجاج الذي يكاد يكون المشهد اللامع الوحيد، على سرياليته، وسط الدمار. وهذا على إنسانيته، قد يكرّس الدولة البديلة، ويزيد من فساد الأصلية، والناس على قناعة بالفساد. ما حدث لا يمكن أن يكون صدفة أو حظّا سيئا. لا يمكن أن يكون قوّة خارقة أطلقها المنجّمون اللبنانيون الأكثر شهرة، والذين يطلون على الشاشات في المناسبات السعيدة والمآسي.
تقول ليلى، التي لم يتأذ أحد من أفراد عائلتها، ولا حتّى بيتها، إنها تشعر بالخجل من الناس. كيف لها أن تستيقظ وتشرب قهوتها وتستمع إلى المراسلين يستضيفون الفاسدين، ثم تعدّ الطعام، وتمضي يومها كالمعتاد. حزنها لا يفيد أحداً، ولا يساعد في إعادة الإعمار. من جهة أخرى، تشعر بالعجز، وكأن ساقيها عاجزتان عن تجاوز باب بيتها. تفضّل ألّا ترى ما حصل. الكلام أقل ثقلاً من الصور. "حين يقولون هيروشيما بيروت، أعود إلى بعض الصور في الذاكرة، لكنني قادرة على إيقاف الشريط. كيف أنظر إلى وجه بيروت التي يصر الأشخاص نفسهم على تدميرها، ثم يستعطفون الدول العربية والأجنبية لمساعدتها؟".
نتحول إلى آلات. نأكل لأنه يتوجب علينا أن نأكل. نلملم الزجاج المتناثر لأنه يتوجب علينا أن نفعل ذلك. نتصل بـ "معلّم الألمنيوم والزجاج"، وقد أصبحت منازلنا مفتوحة على بعضها بعضاً. هل تصدق معنا هذه العبارة اليوم؟ "الحياة بتكمّل (تستمرّ). كان الناس يتزوجون وينجبون الأطفال خلال الحرب". لكنها ضربة تلو الأخرى، كمن يسبح تحت الماء وبالكاد يسمح له بالتقاط أنفاسه. غرقنا. وهذه المرة، كانت الهدية ثمينة. أراد المتورطون إغراقنا بـ "الكيميائي".