عقب سيطرة جماعة الحوثي على صنعاء، توقفت تحويلات المغتربين من أوروبا وأميركا، وسط مخاوف من توسع الدائرة لتطال كافة التحويلات التي يقدّر حجمها بنحو 7 مليارات دولار سنوياً، والتي تؤمّن حياة أكثر من 10 ملايين يمني. وبرغم الأزمة التي ستضرب الفقراء خصوصاً، يستمر الحوثيون بتعنتهم، ليزيدوا اليمن الحزين بؤساً.
وفي التفاصيل... دخل الاقتصاد اليمني منعطفاً جديداً مع إيقاف التحويلات المالية الفردية إلى اليمن من أوروبا وأميركا، وذلك منذ ما يزيد عن 20 يوماً، بعدما سيطرت جماعة الحوثي المسلحة على مختلف مؤسسات الدولة، بالتزامن مع انسحاب السفارات والبعثات والشركات الكبرى من البلاد، ووسط زيادة القلق من تنفيذ الحوثيين ما يهددون به من تصعيد في الفترة المقبلة.
توقف التحويلات يساوي معاناة الأسر
ويرى خبراء الاقتصاد أن تداعيات هذه الإجراءات، ستكون زيادة في معاناة الأسر اليمنية التي يعيش 38% منها على تحويلات المغتربين، خاصة أن هذه التحويلات تبلغ سنوياً 7 مليارات دولار. كما أن استمرار هذه الإجراءات، وإمكان توسّعها لوقف التحويلات نهائياً، يهدد بإيقاف أعمال الوكالات الرسمية لشركات أميركية وأوروبية، وتنذر بتسريح العمال واتساع رقعة البطالة.
يقول أمين عام الجاليات اليمنية حول العالم، الدكتور مقبول الرفاعي، إن عدد المغتربين اليمنيين حول العالم اقترب من 6 ملايين مغترب، يؤمّنون استمرارية حياة أكثر من 10 ملايين نسمة تقطن في اليمن، وتعتبر تحويلات المغتربين مصدر دخلها الوحيد. ووفقاً للإحصائيات غير الرسمية، فإن عدد اليمنيين في أميركا يبلغ حوالي 50 ألف مغترب يمني، وفي أوروبا ما يزيد عن 33 ألف مغترب.
ظروف صعبة غير مسبوقة
من جانب آخر، يرى المحلل الاقتصادي، عبد الجليل السلمي، أن اليمن تمر بأصعب الظروف، ويقول لـ"العربي الجديد": "هذه خطوات غير مسبوقة، لم تشهدها اليمن حتى في أحلك منعطفات الأزمة السياسية في اليمن عام 2011". ويعتبر أن "الانسحاب المتتالي لسفارات عدد من البعثات والوكالات والشركات الأجنبية، ينذر بفرض عزلة دولية على اليمن، وهي ذات آثار مباشرة، آنية وبعيدة المدى".
وتسارعت التداعيات الخارجية وغير المتوقعة للتطورات السياسية الأخيرة في الساحة اليمنية، حيث جرى إغلاق سفارات 15 دولة من أصل 96 دولة ذات تمثيل، كذلك أعلنت الانسحاب كل من بعثة الاتحاد الأوروبي، ووكالة التنمية الدولية الأميركية، ووكالة التنمية الدولية البريطانية، وبنك الإعمار الألماني، وبرنامج المساعدة الهولندي، وبعض البرامج الفرنسية، لتصل إلى 6 بعثات ووكالات خارجية من أصل 12 بعثة ووكالة أجنبية. كما انسحبت شركات استثمارية كبرى من السوق اليمن.
المصائب تأتي تباعا
وفي المقابل، يرصد المراقبون جملة آثار لهذه التداعيات الخارجية على الجانب الاقتصادي والاجتماعي، أبرزها وقف المنح والمساعدات المالية، وتجميد القروض المالية التنموية، وتعثر التبادل التجاري للسلع، وانسحاب وتوقف الاستثمارات البينية، وتعاظم مشكلة الفقر والبطالة، إضافة إلى توقف ضخ المغتربين للعملة الصعبة، وسحب الودائع والأموال من المصارف، وفرض عقوبات اقتصادية محتملة.
ويكشف مصدر مصرفي، لـ"العربي الجديد"، أن البنك المركزي الأميركي حظر أية حوالات فردية إلى اليمن، ومنذ أسبوع جرى تعليق الحوالات المالية المتعلقة بالشركات. المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، يتخوّف من اعتداءات قد تطال المصارف، ويؤكد أن حظر وصول الحوالات المالية لليمن ستكون له آثار بالغة على الأسر والاقتصاد بشكل عام.
ويقول الخبير المالي، عبد الكريم العواضي، لـ"العربي الجديد"، إن تحويلات المغتربين تلعب دوراً جوهرياً في تماسك الاقتصاد الوطني والمحافظة على سعر الصرف، حيث تقدّر تحويلات المغتربين بأكثر من 7 مليارات دولار سنوياً، تدخل 20% منها عن طريق المصارف، و80% عن طريق شركات الصرافة.
ويقول أستاذ المحاسبة في جامعه صنعاء، الدكتور محمد علي جبران، لـ"العربي الجديد"، إن "اتخاذ دول الخليج قرار تجميد المنح لليمن، أفقد الخزينة العامة مورداً هاماً يصل سنوياً إلى 1.5 مليار دولار، ولا تستطيع الدولة إيجاد البديل لهذا المورد. وأيضاً الاستثمارات المحلية والخارجية تراجعت، وهناك مصانع أغلقت وأخرى بدأت بالإغلاق نتيجة الاضطرابات التي تمر بها البلاد".
ويوضح جبران أن النقص المتوقع في الإيرادات سيكون ما بين 500 إلى 700 مليار ريال، ويعتبر أن طبع عملة جديدة هو الوسيلة الوحيدة المتاحة للحكومة لتغطية نفقاتها في هذه الظروف المستجدة.