الحوار الكردي-الكردي في سورية: الفيدرالية والعمال الكردستاني يصعّبان الاتفاق

29 مايو 2020
الحوار الكردي-الكردي ما زال في بداية الطريق(Getty)
+ الخط -


ببطء شديد، يسير الحوار أو المفاوضات الكردية-الكردية شمالي سورية، التي انطلقت بداية الشهر الحالي برعاية مباشرة من الولايات المتحدة، بعد أن قبِل حزب "الاتحاد الديمقراطي" (الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني التركي) و"المجلس الوطني الكردي"، الذي يعد جزءاً من مكونات الائتلاف الوطني السوري، أن يجلسا حول طاولة الحوار لإيجاد صيغة مشتركة تفضي إلى مصالحة كردية-كردية، ربما أرادت واشنطن استخدامها في تسهيل عملية الحل السياسي في سورية، لكون "الاتحاد الديمقراطي" يشكل العماد الرئيسي لـ"الإدارة الذاتية" الكردية التي تحكم مناطق واسعة شمال شرقي سورية، تحت نفوذ "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، فيما يعتبر "المجلس الوطني الكردي" واحداً من أهم أقطاب الائتلاف الوطني.

وأشار عبد الحكيم بشار، عضو "المجلس الوطني الكردي"، نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الحوار بين المجلس الوطني الكردي والاتحاد الديمقراطي لا يزال في بدايته، وهناك الكثير من القضايا الخلافية الجوهرية يستوجب حلها أولاً، حتى نقول إن الحوار يسير بشكل إيجابي". وأكد أنه "لم تُطرَح فكرة حوار كردي-تركي من قبل أي طرف"، مشيراً إلى أنهم في "المجلس الوطني الكردي" لديهم علاقات إيجابية مع تركيا ويتطلعون إلى تطويرها. وقال: "لم يعرض أحد علينا شروط التفاوض مع تركيا، ونحن نعتبر أنقرة دولة جارة ومهمة، ونتطلع إلى أفضل العلاقات معها، وللمجلس الوطني الكردي علاقات إيجابية مع تركيا".

وعن القضايا الخلافية الجوهرية التي ذكرها، امتنع بشار عن "الخوض في هذه القضايا"، لكنه أشار ضمن ذلك إلى نقاط رئيسية تتمثل بـ"فك الارتباط العضوي والتنظيمي بين الاتحاد الديمقراطي وقنديل (قاعدة حزب العمال الكردستاني)، كأحد شروط المجلس الوطني الكردي لاستمرار الحوار ونجاحه، ومن دون تحقيق ذلك لن يكون هناك اتفاق".

وفي ما يتعلق بقضية الفيدرالية في سورية، أوضح بشار أن "الشعار تبنّاه المجلس الوطني الكردي في مؤتمره التأسيسي نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2011، وهو مدوّن أيضاً في الاتفاق بين المجلس الوطني الكردي والائتلاف عند انضمام المجلس إلى الائتلاف في أغسطس/ آب 2013. ويشير أحد البنود إلى أنه يحق للمجلس العمل من أجل تحقيق فيدرالية في سورية، على الرغم من أن الائتلاف حينها لم يوافق على هذا البند وأُدرِج كملاحظة نهائية، ورؤيتنا للفيدرالية واضحة وطرحناها في كل مؤتمرات المعارضة". وأضاف: "نعتقد أنها أفضل صيغة لسورية المستقبل، تحقق الأمن والاستقرار والتوزيع العادل للثروة والسلطة، وتحقيق ديمقراطية راسخة غير قابلة للنكوص، وضمان المشاركة المجتمعية في شؤون البلاد بصورة أكثر فعالية، وضمان حقوق المكونات السورية، ومنهم الأكراد. لكن في الوقت ذاته، نرى أن تحقيق الفيدرالية يجب أن يمرّ عبر حوار وطني سوري جاد وعميق، لأن توافق السوريين عليه شرط أساسي لضمان تضمينه في الدستور السوري المستقبلي، وضمان تنفيذه على أرض الواقع".


من جهتها، قالت عضو الهيئة الرئاسية في "الاتحاد الديمقراطي" فوزة اليوسف لـ"العربي الجديد" إن "الحوار الكردي - الكردي ما زال في بداية الطريق. جرى التفاهم على الرؤية السياسية المشتركة للقضايا في سورية، وما زالت المباحثات مستمرة". وحول قبول حزبها للحوار مع تركيا مستقبلاً، أشارت اليوسف إلى أنه "في حال انسحاب القوات التركية من المناطق المحتلة في سورية، حينها يمكن أن نقبل بحوار مباشر مع الأتراك. ولكن في الوقت الذي يُباد فيه شعبنا يومياً في عفرين وتل أبيض ورأس العين، لا يمكن قبول أي حوار، لأنه لا جدوى منه".

وعن تمسك الأكراد، ولا سيما المنضوون منهم تحت "الإدارة الذاتية" شمال شرقيّ سورية، بفكرة الفيدرالية الجغرافية، أوضحت اليوسف أن "هناك حالة مؤسساتية في شمال سورية وشرقيّها، وهناك إدارة هي التي تدير المنطقة. لا يوجد ارتباط بيننا وبين حزب العمال الكردستاني، تعاملنا معه مثل تعاملنا مع أي حزب كردي آخر. أما بالنسبة إلى الفيدرالية، فإنه نموذج عن اللامركزية، والإدارة الذاتية أيضاً نموذج عن اللامركزية الديمقراطية، المهم ضمان حقوقنا السياسية المشروعة كأكراد، كباقي مكونات سورية عامة. يمكن مناقشة النماذج المختلفة من اللامركزية واختيار ما يناسبنا، والإدارة الذاتية أيضاً لا تعتمد على الجغرافية".

أما عضو هيئة الرئاسة المشتركة لحزب "الاتحاد الديمقراطي" آلدار خليل، فأكد أن "موضوع تحويل الحوار الكردي - الكردي إلى كردي - تركي غير مطروح، ولم يناقشنا أحد فيه حتى اللحظة. أما في موضوع الحوار الكردي - الكردي، فإن الجهود لا تزال في المراحل الأولى، وهناك اتفاق على عدة مبادئ، لكن اللقاءات لا تزال مستمرة. حالياً، يقوم المجلس الوطني الكردي بزيارة لإقليم كردستان (العراق)، وحين عودتهم سيكون هناك استكمال للقاءات ومتابعة لإجراءات الحوار".

وأشار خليل، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "في ما يخص موضوع الفيدرالية أو ما شابه، لا يوجد أي تطرق إلى هذا الموضوع. أما بشأن التغيير في سورية، فإنه لم توضع أي شروط من قبل روسيا وأميركا"، مضيفاً: "أسّسنا مع المكونات السورية نموذجاً ديمقراطياً في المنطقة، وبقوة شعبنا نبني إدارتنا الذاتية، ونمثل اليوم مشروع حل ديمقراطي في سورية، من دون أن نشكل أي مخاطر على أحد، بما فيها وحدة سورية ومجتمعها". وعن العلاقة مع الحركات الكردستانية "فإن التعامل والتعاطي مع الحركات الكردستانية هو أننا نناضل لذات الأهداف، أي لحل القضية الكردية ونبذ العنصرية والظلم وتحقيق الحل الديمقراطي. وسبق أن دعمتنا في شمال وشرق سورية الحركات الكردستانية بمواقفها الإيجابية إبان حرب تنظيم داعش، ولا سيما في كوباني (عين العرب)"، وفق قوله. وتابع: "ما نقوم به، بالتعاون والمشاركة مع باقي المكونات من عرب ومسيحيين وغيرهم من خلال مشروع الأمة الديمقراطية، هو مشروع موحد للمكونات. وعملياً، آليات الهجوم علينا هي من أجل القضاء على هذا المشروع، أي بمعنى منع وحدة الشعوب المتعددة والمختلفة والنضال معاً من أجل سورية الديمقراطية الواحدة".

وعلمت "العربي الجديد" من مصادرها شمال شرق سورية أن وفداً من هيئة الرئاسة في "المجلس الوطني الكردي"، ضم كلاً من محمد إسماعيل وسليمان أوسو وفيصل يوسف ونعمت داوود وفصلة يوسف، زار الثلاثاء إقليم كردستان العراق، لإجراء محادثات في آخر المستجدات السياسية، حيث تتخذ الكثير من مكونات "المجلس الوطني الكردي" من كردستان العراق مقرّاً لها. وأشار عبد العزيز تمو، وهو رئيس "رابطة المستقلين السوريين الأكراد"، وهي كيان سياسي كردي مستقل وقريب من تركيا يرفض الفيدرالية الجغرافية في سورية، ولم تدخل ضمن المفاوضات الكردية-الكردية الأخيرة، إلى أن العروض الروسية مختلفة عن العروض الأميركية في ما يتعلق بالحوار الكردي-الكردي، ومن ثم نقله إلى حوار كردي-تركي فيما بعد. وأكد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "بداية العروض الأميركية كانت موجهة بالأساس إلى تركيا بعد عمليتها العسكرية الأخيرة شمال شرق سورية، من خلال العمل على تبديد مخاوف أنقرة بالضغط على حزب الاتحاد لفك ارتباطه بقنديل، وإخراج جميع مقاتلي حزب العمال الكردستاني وكوادره من الأراضي السورية، ومن ثم العمل على تشكيل كيان سياسي كردي بعد مصالحة كردية-كردية وتحقيق مصالحة كردية-تركية في مرحلة لاحقة. لكن نعتقد أن هذه المبادرة ستفشل. وسبق للأميركيين أن عملوا على هذا الموضوع منذ عام 2015، ولم يحققوا نتائج تذكر، لكون الارتباط كبيراً بين حزبي الاتحاد والعمال، كارتباط الرأس بالجسد"، مضيفاً أن "الروس لديهم عروض لقسد وحزب الاتحاد تختلف عن العروض الأميركية الموجهة".

ونقل تمو معلومات عن اجتماع ضم الروس و"المجلس الوطني الكردي" و"قسد" في مطار القامشلي بمحافظة الحسكة. وكان طرح الروس، بحسب تمو، أن "يُشكل وفد من المجلس وحزب الاتحاد يذهب إلى دمشق للجلوس على طاولة التفاوض مع النظام بهدف تسليم المنطقة كلها للنظام"، من دون أن يتسنى لـ"العربي الجديد" التأكد من تلك المعلومات. وبحسب المعلومات التي قدمها تمو، فإن الحوار بين "المجلس الوطني" وحزب "الاتحاد" توصل حتى الآن إلى مسودة وثيقة سياسية، يأتي في بندها الأول الإقرار بأن سورية دولة اتحادية متعددة، مع المطالبة بفيدرالية جغرافية، مؤكداً رفض "رابطة المستقلين السوريين الأكراد" لهذه الوثيقة وفكرة الفيدرالية من الأساس.

وفي نهاية مارس/ آذار من العام الماضي أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب استعداد تركيا والأكراد السوريين لإبرام اتفاق سلام بينهما، مؤكداً أن الطرفين أكدا له موافقتهما على ذلك، إلا أن الجهود الأميركية في هذا الإطار تبدأ بتحقيق المصالحة الكردية-الكردية، ومن ثم الانتقال إلى الخطوة التالية، ربما في مرحلة لاحقة.

المساهمون