الحمّامات... معلم إسكندري يعاني الإهمال

10 ديسمبر 2014
حمام الشيخ إبراهيم في الإسكندرية (العربي الجديد)
+ الخط -
طالب مختصون بضرورة النظر في حال الحمّامات وغيرها من الأماكن الأثرية، التي تنتشر في كثير من أحياء المدينة، بعدما تقلصت أعدادها إلى 8 حمامات، من بين آلاف الحمّامات التي مرت على المدينة منذ العصر الروماني. 

فرغم انتشار معظم الحمامات في أحياء المدينة وتسمية شوارع ومناطق باسمها، يمر عليها آلاف المواطنين يومياً، إلا أن القليل جداً منهم يعرف سبب هذه التسمية أو أهميتها التاريخية. ومن أشهر الشوارع والمناطق التي عُرفت بأسماء حمامات في الإسكندرية، شوارع "حمام السيدات" في سان ستيفانو، وزقاق "حمام باب سدرة" وشارع "الطوبجية"، و"حمام الورشة" بكوم الناضورة، و"كليوباترا الحمامات"، والتي تحتفظ بنفس الأسماء حتى الآن على الرغم من اندثار الحمامات بها.



ويقول الدكتور محمد عوض، مدير مركز دراسات الإسكندرية والبحر المتوسط، "بالنظر لتاريخ الإسكندرية القديم، نجد أن الحمامات العامة لعبت دوراً بارزاً في المجتمع السكندري، منذ أن دخلها البطالمة، وكانت عبارة عن مؤسسات تربوية ورياضية وترفيهية وثقافية". وأوضح أن الفتح الإسلامي لم يقضِ على الحمامات الرومانية، حيث استخدمت بعد الفتح الذي أضاف المزيد منها في الثغر، على غرار ما فعل في الفسطاط (القاهرة)، وظهرت بعض الحمامات في العصر الأيوبي والمملوكي، كان هناك بعض الحمامات من بينها حمام "الرقعة" وحمام "الخليج الصغير" وحمام "الأخوين" و"القمرة"، وتركزت معظمها في غرب المدينة. وأشار إلى أن الحضارة الإسلامية ورثت فكرة الحمامات العامة من الحضارات السابقة وخصوصاً الرومانية واليونانية، لعدة أسباب يعتبر أهمها دعوة الإسلام للتطهر والنظافة، فضلاً عن عجز الفقراء عن تضمين منازلهم حمامات خاصة.

وأكد مجدي راشد، الناشط في مجال حماية التراث والآثار بالإسكندرية، أن ما يعانيه هذا التراث الأثري المهم من شتى صور الإهمال يهدد بفقدانه للأبد، وذلك بسبب الدور الروتيني والشكلي لهيئة الآثار وعدم وجود رؤية استراتيجية في الإشراف على تلك الأماكن الحيوية والتاريخية، والذي أسهم بتفاقم المشاكل فيها ويضر بالقيمة الأثرية. وأضاف: "وبدلاً من أن تحافظ وزارتا الآثار والثقافة على حمامات الإسكندرية الأثرية، والتي تعد من أهم معالم تاريخ المدينة، تحججت بوجود بعضها في حيازات خاصة، أو عدم وجود آليات قانونية تسمح بذلك"، الأمر الذي قد يُعرضها للإتلاف أو التخريب، ما يشكل تهديداً لثروة كبيرة لا تقدر بثمن.
وأوضح راشد أن الحمامات المتبقية في المدينة حالياً "متهدمة" لا يسمح باستخدامها، مثل حمام "المصري" الذي وضعته لجنة الحفاظ على التراث على قائمة المباني التراثية التي لا يجوز العبث بها، ما دفع الهيئة العامة للآثار إلى تسجيله بقرار وزاري ضمن قائمة المجلس الأعلى للآثار.



بدوره، قال محمد عبد الحميد، مدير آثار الإسكندرية، إن هيئة الحفاظ على التراث العمراني خاطبت المجلس الأعلى للآثار من أجل تسجيل الحمامات المتبقية ضمن قائمتهم، حتى لا تندثر وتختفي معالمها، وهي حمامات "الدهب" و"الشيخ إبراهيم" و"حسن عبد الله"، مشيراً إلى علم الوزارة بوجود "تعديات" على هذه الحمامات لوقوعها في ملكيات خاصة، مع وجود محاولات لهدمها.

وأشار عبد الحميد إلى أن الاهتمام بالمواقع الأثرية هي مسؤولية الجميع، إلى جانب مؤسسات الدولة التي تتبنى مشاريع لتطوير هذه المناطق وغيرها التي تحتوي على نفائس أثرية كبيرة. وأكد تبعية 5 حمامات لحيازة المجلس الأعلى للآثار، الذي أدرج هذه المنشآت ضمن قائمته للحفاظ عليها من الاندثار الذي أصاب العديد من الحمامات التي بنيت في العصر الروماني واليوناني والإسلامي وغيره، وهي "حمام ماريا" الموجود على بعد 40 كيلومتراً غرب الإسكندرية، و"أبوصير"، و"كوم الدكة" الوحيدان المتبقيان من حمامات العصر الروماني، بينما ضم المجلس الأعلى للآثار ضمن قائمته للمباني الأثرية، حمام "المصري" الذي يقع في منطقة "مينا البصل وله 3 واجهات على 3 شوارع بناء على مخاطبات بينه وبين هيئة الحفاظ على التراث العمراني، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى منشئه "علي المصري"، والذي كان أحد أعيان ووجهاء الثغر.



وفي سياق متصل، كشفت دراسة تاريخية وعمرانية لمركز دراسات الإسكندرية والبحر المتوسط بمكتبة الإسكندرية، عن حمامات الثغر في القرنين التاسع عشر والعشرين، تناولت فيها كل ما يتعلق بالحمامات التي ظهرت في هذه الفترة، عن وجود 5 أنواع، هي الحمامات التقليدية التي تعتمد على البخار مثل حمام "الشيخ إبراهيم" بالمنشية، وحمام "حسن عبد الله" بكوم الشقافة، وهما فقط المتبقيان من هذا النوع من الحمامات.

بالإضافة إلى الحمامات التي كانت داخل الحدائق والشقق السكنية، وحمامات البحر التي كانت تبنى على الشواطئ وتعتمد على مياه البحر مباشرة، مثل حمامات الشاطبي، وكليوباترا، وحمامات الرمل، وسان ستيفانو، فضلاً عن حمامات العسكر، مثل حمام "طابية صالح"، وأخيراً الحمامات التي تعتمد على المياه الجارية، وكان الغرض منها نشر الوعي الصحي ومحاربة الأمراض المعدية، مثل الكوليرا والملاريا، مثل حمام "البلدية".
وعن إدارة الحمامات والقائمين عليها، أوضحت الدراسة أن العاملين اختلفوا من حمام لآخر حسب نوعه وسعته، ففي حمامات الرجال هناك "المعلم" الذي يدير الحمام، سواء كان مالكه الأصلي أو مستأجره، ويتولى تحصيل الأجرة من الزبائن، وهناك "التابوتي" الذي يتولى حفظ أمتعة الزبائن في "التابوت" أو الصندوق المخصص ذلك، و"الناطور" أو الحارس، و"البلان" الذي يقوم بالحلاقة للزبائن والقيام بعمليات الحجامة والختان، و"السدار" الذي يقوم ببيع السدر لرواد الحمام.



وأرجعت الدراسة اندثار دور الحمامات بالثغر في أواخر القرن التاسع عشر لعدة أسباب، بدأت بإدخال المياه النقية إلى البيوت في عهد إسماعيل باشا عن طريق شركة مياه الإسكندرية، وبالتالي انتفت الحاجة الملحة لدى الأهالي إلى الذهاب للحمامات العامة، بالإضافة إلى ما سببته هذه الحمامات من أضرار صحية، فقد أصبحت سبباً في تفشي العدوى والأمراض بين مرتادي الحمام بسبب عدم مراعاة الشروط الصحية، حتى انتهى الأمر إلى إغلاقها تماماً.​
المساهمون