وأوضح الكرملين أنّ المحادثات الروسية – السعودية إيجابية، وأنّ الجانبين "عبرا عن رغبتهما في حلّ المشكلة السورية". وخلص إلى التأكيد على دعوة الرئيس الروسي للملك سلمان، لزيارة موسكو. أما الجانب السعودي، وبحسب وكالة الأنباء السعودية "واس"، فقد أكد على أن المكالمة تضمنت "تناول العلاقات الثنائية بمناسبة مرور 90 عاماً على العلاقات السعودية – الروسية، إضافة إلى بحث تطورات الأوضاع في المنطقة". وكانت الرياض قد نفت في وقت سابق، تحديد موعد لزيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو، والذي أُشير إلى أنها ستكون في منتصف مارس/ آذار المقبل.
ويبدو أنّ روسيا غير معنية بالأسد شخصياً، وهدفها إيجاد موطئ قدم لها في سورية على المدى البعيد. وبالنسبة للسعوديين، فإنّ رحيل الأسد أساسي، باعتبار ألا تسوية ولا محاربة للإرهاب من دون ذلك، كما أكّد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، مراراً. بالإضافة إلى أنّ كلتا الدولتين معنية بإعادة الاستقرار إلى سورية بأي ثمن، ومحاربة الإرهاب. وبالتالي، فإنّ القول بإيجاد تسوية روسية – أميركية، تُرضي الرياض، أمر ممكن نظرياً، بينما يبدو إرضاء إيران مستحيلاً، وهي التي ترى الساحة السورية كأرض حرب "عقائدية"، وتريد إعادة هيمنة الأسد على مختلف التراب السوري.
مؤشرات الخلاف الروسي الإيراني
منذ التدخل الروسي، خفت وهج الحضور الإيراني، كأهم المدافعين عن نظام الأسد، إذ تصدرت روسيا الأعمال العسكرية على الأرض، والمحادثات على الطاولة المستديرة. بالإضافة إلى ذلك، تبدو التصريحات السياسية الصادرة عن موسكو وطهران متباينة، لاسيما خلال اليومين الماضيين.
ففي الوقت الذي أكد فيه مندوب روسيا في الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، الخميس 18 فبراير/ شباط، بأن تصريحات الأسد الأخيرة "لا تنسجم مع الجهود الدبلوماسية لروسية"، لا يبدو أن تغييراً حدث في إيران، والتي تصرّ على أن الحرب في سورية "عقائدية"، كما جاء على لسان قائد القوات البرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، محمد باكبور، يوم الخميس الماضي. وكان بشار الأسد قد أعلن قبل أيام أنّه سيفرض هيمنته على كامل التراب السوري، الأمر الذي استفز حلفاءه الروس، واعتبروا خطابه غير عقلاني، ولا يساعد على تسوية الأوضاع في سورية.
إصرار إيران على مواقفها من سورية تكرّر على لسان مستشار المرشد الأعلى في الحرس الثوري، يد الله جواني، والذي رأى أنّ أي "تغيير في مواقف أي بلد تجاه سورية لن يغير من الموقف الإيراني". يبدو كلام جواني وكأنه يعني الموقف السعودي، وتحديداً إعلان المملكة عن إمكانية إرسال قوات برية لسورية بغرض قتال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، لكنه يغمز كذلك من الموقف الروسي نفسه، والذي يبدو أنه يضغط باتجاه تسوية سياسية في سورية، يقدّم فيها الأسد تنازلات للمعارضة، أو يرضى بدولة علوية على الساحل، أو في سيناريو أكثر تفاؤلاً، يرحل.
هكذا، يبدو أنّ تباينات روسيا وإيران، لم تظهر إلى العلن بعد. وإضافة إلى اختلاف الرؤية بين الجهتين حول الحرب في سورية، فإن روسيا ترتبط بعلاقات جيدة مع إيران والسعودية على حدّ سواء. وعلى الرغم من تفاوت طبيعة هذه العلاقات، فإنها خارج الموضوع العقائدي / الطائفي، ومصالحها سياسية بحتة. من جهة ثانية، فإن روسيا تتمتع هذه الأيام بعلاقات استثنائية مع إسرائيل، نتيجة لسياسات الرئيس الأميركي باراك أوباما المنفتحة على طهران، ما جعل موسكو هي حليف تل أبيب الأبرز، لا واشنطن حالياً.
في هذا السياق، يمكن وضع اغتيال عميد الأسرى السابق سمير القنطار، ضمن عوامل الخلاف الإيراني – الروسي، إذ سمحت التفاهمات الروسية الإسرائيلية لكيان الاحتلال بأن يتحرك في سورية كيفما يشاء، فاستهدف مصالح حزب الله، والنظام السوري، مما جعل موقف زعيم حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، بمثابة "بالع السكين" فهو يرى حليفه الروسي يتواطأ على اغتيال قادته وعناصره، لكنه لا يقوى على انتقاد هذا الحليف، أو حتى فض الحلف.
اقرأ أيضاً: تواصل سعودي روسي أميركي حول سورية...وتقييم تشوركين للأسد سلبي
يمكن تخمين الخلاف الروسي الإيراني، من خلال النظر إلى التباين في هواجس الطرفين في سورية، فإيران تريد سورية موحدة تحت هيمنتها وحكم الأسد، بينما ترى موسكو أن هذا الخيار مستحيل، وفق المعطيات الحالية، فهي بين خيار صياغة تسوية سياسية تحافظ على وحدة سورية، مقابل إزاحة الأسد، وبالتالي تضاؤل الهيمنة الإيرانية على دمشق، وبين السيناريو الثاني، المتمثل في إبقاء الأسد لضمان مصالح موسكو، وفق سيناريو الدولة العلوية الساحلية، والتي تعطي لروسيا ما تريده من المنطقة، وهو التواجد العسكري على ضفاف البحر الأبيض المتوسط.
ضغوط أميركية على المعارضة
الأميركيون مترددون في سورية، أو أن استراتيجيتهم قائمة على ترك الأمور معلقة. لكن التصريحات السعودية – التركية الأخيرة، بخصوص إرسال قوات برية لمحاربة تنظيم "داعش" ضمن التحالف الدولي في العراق وسورية، بقيادة الولايات المتحدة، يبدو أنها أحرجت واشنطن، والتي طالبت طويلاً بزيادة الجهود الإقليمية لمواجهة الإرهاب.
فالولايات المتحدة، والتي وضعت "الفيتو" على الكيفية التي يتم فيها تسليح المعارضة السورية المسلحة، بدأت بالضغط على المعارضة من أجل إيجاد تسوية، تجعل الأمور في سورية تتجه شطر محاربة "الإرهاب" بالتعريف الأميركي، والذي يستثني الأسد. جاءت هذه الضغوط مرة على صيغة فرض تسوية مجحفة، تبقي الأسد في السلطة، وتلغي فكرة المرحلة الانتقالية، وتتيح للأسد المشاركة في أي انتخابات مقبلة. ليصبح الحل، مجرد إشراك المعارضة في السلطة، في ظل بقاء الأسد، كما بينت ضغوط وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، على الهيئة التفاوضية السورية العليا. ومرة أخرى، على شكل تسريبات عن كيري، يبشر فيها بإبادة المعارضة السورية خلال ثلاثة أشهر، في ظل الظروف الحالية.
الموقف الأميركي، جاء معارضاً للعروض السعودية – التركية، بمحاربة "داعش"، والذي يستلزم قطعاً نهاية نظام الأسد، بحسب الرياض وأنقرة، ليبدو وكأن الأمور معلقة في الوقت الحالي، بين رغبة واشنطن بمحاربة الإرهاب مع حلفائها، ولو في ظل بقاء الأسد، وبين الموقف التركي – السعودي، والذي لا يستثني الأسد من تهم الإرهاب، ويؤكد أن محاربة "داعش" تبدأ من إسقاط النظام في دمشق.