الحكومة اليمنية أمام اختبارات اقتصادية ومعيشية

24 سبتمبر 2016
نقل البنك المركزي إلى عدن (محمد حويس/ فرانس برس)
+ الخط -
بعد أيام قليلة من قرارها نقل المقر الرئيسي للبنك المركزي، وإدارة عملياته من العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الانقلابيين الحوثيين، عادت الحكومة اليمنية الخميس الماضي إلى العاصمة المؤقتة "عدن" لإدارة شؤون البلاد.
وقال مراقبون ومحللون: "إن دفع رواتب موظفي الدولة نهاية الشهر الحالي، سيمثل أول اختبار لقدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها، لكن الاختبار الأهم يتمثل في تفعيل قرار نقل البنك المركزي وإطلاق نشاط المقر الرئيسي من عدن والبدء في ممارسة مهام إدارة السياسة النقدية، وأداء الدور الرقابي على المصارف وسوق الصرف".
وكان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قد أصدر الأحد الماضي، قراراً بنقل المقر الرئيسي للبنك المركزي اليمني وإدارة عملياته إلى عدن، في خطة حاسمة لمعركة البنك المركزي، الذي كان يخضع لسيطرة الانقلابيين في صنعاء.
وقضى القرار بتعيين منصر صالح محمد القعيطي محافظاً للبنك المركزي رئيساً لمجلس إدارة البنك، خلفاً لمحمد بن همام.
واعتبر الكاتب والمحلل الاقتصادي مصطفى راجح أن "نجاح الحكومة في قرار نقل البنك المركزي يتعلق أولاً بالوضع الأمني في العاصمة المؤقتة عدن، التي شهدت خلال الفترة الماضية فوضى أمنية وعمليات تفجير واغتيالات لمسؤولين وناشطين".
وقال راجح لـ "العربي الجديد": "يعتبر أمن عدن الأولوية الآن، وهو الذي سيحدد الاتجاه الذي سيمضي فيه البلد كله في الأسبوعين القادمين، وبنتائجه ترتبط الحياة اليومية لليمنيين، وكذلك سداد رواتب موظفي الدولة".

ترتيبات جديدة
وأضحى قرار نقل البنك المركزي الحدث الرئيسي في البلاد. ومنذ صدوره توقفت جبهات الحرب في ضواحي العاصمة صنعاء وفي مدينة تعز وفي جبهة حرض (شمال غرب اليمن)، ويدور الحديث عن معركة مختلفة بأدوات اقتصادية.


وقال مصدر في فرع البنك المركزي بعدن لـ"العربي الجديد" :"هناك العديد من الترتيبات لإطلاق نشاط البنك من عدن، حيث سيتم نقل المقرات الرئيسية للبنوك الحكومية والتجارية وشركات الصرافة من صنعاء إلى عدن على مراحل"، لافتاً في الوقت عينه إلى وجود بعض العقبات، منها نقص الكادر المؤهل وعدم وجود البنية التحتية من عتاد وأجهزة ضرورية.
وأضاف: "تعهدت دولة الإمارات بتزويد الحكومة بأجهزة الكترونية لمباشرة العمل، كما تم إرسال عدد قليل من الموظفين إلى إمارة أبو ظبي في دورات تأهيل وتدريب، ويتوقع إرسال المزيد خلال الفترة القادمة".
واجتازت السلطة الشرعية في اليمن اختباراً مهماً في طريق تنفيذ قرارها بنقل البنك المركزي من خلال انتزاع موافقة المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية.
وأكد مسؤول في الحكومة الشرعية لـ "العربي الجديد" أن مباحثات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في نيويورك على هامش مشاركته في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة تكللت بالنجاح، واستطاع انتزاع موافقة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي واللجنة الرباعية حول اليمن التي تضم الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات لنقل مقر البنك المركزي.
وكانت اللجنة الرباعية لليمن قد أعلنت، الخميس الماضي، موافقتها على القرار بطريقة غير مباشرة.
وقد عبر وزراء خارجية اللجنة الرباعية لليمن في بيان، عن قلقهم بشأن الأوضاع الاقتصادية في اليمن والتطورات الأخيرة بشأن البنك المركزي اليمني، وشددوا على ضرورة أن يخدم البنك المركزي مصالح كافة اليمنيين.
وأعلن صندوق النقد الدولي، فجر أمس الجمعة، تأييده لقرار الرئيس اليمني نقل البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة للبلاد.
وقال جيري رايس، مدير إدارة التواصل في صندوق النقد الدولي، في بيان نشره موقع البنك على شبكة الانترنت "اجتمعت كريستين لاغارد، مدير عام صندوق النقد الدولي، في 22 سبتمبر/ أيلول في نيويورك مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، حيث أعربت عن قلقها إزاء تداعيات الصراع السلبية المتصاعدة على المستويين الإنساني والاقتصادي".

وأضاف:"تبادلت المدير العام والرئيس هادي الآراء حول الموقف الراهن والآفاق المتوقعة، بما في ذلك الحفاظ على القدرة التشغيلية لنظام البنك المركزي اليمني من أجل تعزيز الاستقرار المالي وتحسين النتائج الاقتصادية والاجتماعية لصالح الشعب اليمني".
وكان رئيس الوزراء اليمني أحمد بن دغر طمأن الإدارة الأميركية بشأن قرار نقل البنك المركزي من صنعاء الخاضعة للحوثيين إلى العاصمة المؤقتة عدن (جنوب البلاد).
وأكد بن دغر خلال لقاء مع القائم بأعمال السفارة الأميركية لدى اليمن، الاثنين الماضي، أن الحكومة ستفي بكل ما عليها من التزامات بالدين الداخلي والديون الخارجية وستكون مسؤولة تجاه كل المواطنين.

عقبات كثيرة

محلياً تواجه الحكومة عقبات كبيرة في طريق تفعيل قرار نقل البنك المركزي منها محاولة الانقلابيين عرقلة تنفيذ القرار، وعدم التعاون في نقل قطاعات وموظفين من البنك المركزي بصنعاء إلى المقر الرئيس للبنك في عدن.
وأعلن زعيم الحوثيين، الثلاثاء الماضي، رفضه لقرار نقل البنك المركزي، واصفاً إياه بالقرار الأميركي، ودعا في الوقت عينه اليمنيين إلى التبرع دعماً للبنك المركزي بمبالغ بسيطة تتراوح بين 50 و 100 ريال.
وقال الخبير المصرفي اليمني فهد غالب لـ "العربي الجديد": "هناك احتمالان في تعامل الانقلابيين مع القرار، حيث يتعاملون بمسؤولية، ويتم تغليب مصلحة الوطن، إذ أن انهيار النظام المصرفي سيؤدي إلى كارثة، والاحتمال الآخر هو تعنت الانقلابيين، وعدم تعاونهم مع القرار، وبالتالي وجود إشكالية كبيرة في تطبيقه، وانهيار النظام المصرفي في البلد بشكل كامل".
وأوضح غالب، أن قرار نقل البنك المركزي مهم وخطير، ولا يمكن تنفيذه بشكل حقيقي، إلا إذا وُجد دعمٌ حقيقي فني وتقني ومالي من دول الخليج، مع وجود رؤية حقيقية للنظام النقدي في البلد.
واعتبر غالب أن وجود أحمد عبيد الفضلي على رأس وزارة المال يبعث على التفاؤل بنجاح القرار لما يمتلكه من خبرة لعقود طويلة ونزاهة مشهود لها من الجميع ورؤية اقتصادية ومالية ونقدية.
وأكد مسؤولون وخبراء في القطاع المصرفي، أن وزير المال الجديد، يستطيع في هذا الظرف تحقيق الاستقرار المصرفي، وإنقاذ البلاد من الانهيار المالي والاقتصادي، في حال وجود الدعم الكامل والصلاحيات.
وأصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الأحد الماضي، قراراً بتعيين أحمد عبيد الفضلي وزيراً للمال خلفاً لمنصر القعيطي الذي عُيّن محافظاً للبنك المركزي اليمني.
ويمتلك الفضلي مسيرة مهنية ناجحة، وتقلد منصب نائب وزير المالية لسنوات طويلة قبل تعيينه عام 2012 رئيساً لمجلس إدارة البنك الأهلي اليمني، وهو بنك حكومي يقع مقره الرئيسي بمدينة عدن.
من جانبه أكد الخبير المالي فكري عبد الواحد، أن الحكومة ستواجه مشكلتين، الأولى تتعلق بالنقص الحاد في موارد الدولة، والثانية تتعلق بالانعدام الحقيقي للسيولة من العملة المحلية.
ويعاني اليمن مند ثلاثة أشهر من أزمة خانقة في السيولة النقدية، أدت إلى حرمان معظم موظفي الدولة من استلام رواتبهم، فيما استلم آخرون رواتبهم بنقود تالفة.
ويبلغ حجم النقود خارج الجهاز المصرفي حوالى تريليون و300 مليار ريال يمني بحسب تقارير رسمية.
وكانت الحكومة اليمنية قررت في 15 يوليو/ تموز الماضي، الاحتفاظ بإيرادات المدن المحررة الخاضعة لسيطرتها وعدم تحويلها إلى البنك المركزي بصنعاء الذي كان يعاني من تدخل الحوثيين وعبثهم.
ويعاني اليمن، وهو منتج صغير للنفط، من ضائقة مالية بسبب الحرب وتوقف إنتاج وتصدير النفط والإيرادات الجمركية، وتفاقم استنزاف الحوثيين لما تبقى من موارد البلاد وتسخيرها للمجهود الحربي، الأمر الذي أدى إلى انخفاض وتراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي للبلاد.

المساهمون