الحكومة المغربية "تتنازل" للملك عن صلاحيات دستورية

22 مارس 2019
الصلاحيات لم تعد بيد رئيس الحكومة (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -
تنازلت الحكومة المغربية عن حق تعيين مناصب عليا في مؤسسات عمومية لفائدة المؤسسة الملكية، وذلك بعد مصادقة المجلس الحكومي أمس الخميس على مشروع قانون تنظيمي رقم 17.19 يقضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 02.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا تطبيقا لأحكام الفصلين 49 و92 من الدستور.


وأعلنت الحكومة تنازلها عن تعيين المناصب العليا، كما يخول لها ذلك القانون التنظيمي، في مؤسسة "الصندوق المغربي للتأمين الصحي"، وأيضا "شركة إثمار الموارد"، التي تقرر توسيع نطاق تدخلاتها الاستثمارية ليشمل، علاوة على القطاع السياحي، القطاعات الاقتصادية الأخرى؛ حيث أضيفت هذه المؤسسات إلى لائحة المؤسسات العمومية الاستراتيجية التي يتم التداول في شأن تعيين مسؤوليها في المجلس الوزاري برئاسة العاهل المغربي، الملك محمد السادس.
ومقابل تخلي مؤسسة الحكومة عن حق التعيين في المناصب العليا بهذه المؤسسات للمجلس الوزاري الذي يرأسه الملك محمد السادس، منحت لنفسها حق تعيين المناصب العليا في كل من مؤسسة "محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية لموظفي وأعوان وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي"، ومؤسسة "الأعمال الاجتماعية للأشغال العمومية".
ويحرك موضوع التعيين في المناصب العليا بالمؤسسات العمومية ذات الأهمية الكبرى في دواليب الدولة نقاشا كبيرا، بالنظر إلى "تفويت" مؤسسة الحكومة هذا "الحق الدستوري" لفائدة القصر، وهو ما يجعل سياسيين ونشطاء يطالبون باحتفاظ الحكومة بهذه الصلاحيات التي منحها إياها الدستور، عوض تمريرها إلى المجلس الوزاري المرؤوس من طرف الملك.
ويقول أستاذ القانون الدستوري عثمان الزياني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا ظل مثار نقاش جدلي بين مختلف الفاعلين والباحثين والسياسيين، بالنظر إلى أهميته المرتبطة ببناء صرح مؤسساتي يهم مؤسسات عمومية محورية، قائم على أساس النزاهة والشفافية والكفاءة والفعالية".
ويردف الزياني بأن "هذا القانون لا يزال محط نقد كثير، رغم التبريرات التي تتساوق معه، لأنه يكرس هيمنة الملك على رئيس الحكومة، بفعل استئثار الملك بالتعيينات في مؤسسات لها أهمية استراتيجية"، مبرزا أن "التمييز بين مؤسسات استراتيجية تتم فيها عملية التعيينات من طرف الملك، وأخرى مؤسسات عادية يتم فيها التعيين من طرف رئيس الحكومة، هو غامض وملتبس يعوزه المنطق".
واستطرد المحلل بأن "التعيينات في إطار المؤسسات الاستراتيجية من طرف الملك تتناقض مع مبدأ المساءلة والمحاسبة، ويتناقض هذا المعطى والمنحى مع سياقات الانضباط والالتزام بمضامين الهندسة الدستورية التي تعزز مأسسة الحكومة وترفع من مكانة وموقع رئيس الحكومة، مع العلم أن هذه المؤسسات تعتبر آليات ضرورية تمكن الحكومة من تنفيذ سياساتها وبرامجها".
وزاد الزياني قائلاً إن "جل التعديلات التي عرفها القانون التنظيمي للتعيين في المناصب العليا صبت في اتجاه تعزيز سلطة التعيين لدى الملك في هذه المؤسسات، ما يؤكد الحرص الكبير على تكريس منطق الملكية التنفيذية بجرعات زائدة، مقابل أيضا وجود وتسيد موروث من الثقافة السياسية المحافظة التي تجر دائما إلى الخلف وتفرغ الروح الدستورية الجديدة من محتواها".

وخلص الأستاذ الجامعي إلى أنه "ما زال هناك نسق سلوكي سياسي منضبط لمرحلة ما قبل دستور 2011، الذي يرجح كفة استحكام عقيدة التنازلات لصالح المؤسسة الملكية التي تهيمن على العقل السياسي لمختلف الفاعلين في تدبير تطبيقات المقتضى الدستوري"، متابعا أن "هذه ثقافة دستورية نافذة وضاغطة لتطور المسار الدستوري المغربي بشكل عام".