الحكومة اللبنانية الجديدة: ملاحظات ومفارقات وتحديات

22 يناير 2020
دياب وعون في أول جلسة حكومية اليوم الأربعاء(حسين بيضون)
+ الخط -
في اليوم الـ97 على بدء الانتفاضة اللبنانية في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وُلدت حكومة حسان دياب، أمس الثلاثاء، لتخلف حكومة سعد الحريري الذي كان قد شكّل حكومته الثالثة في 31 يناير/ كانون الثاني 2019، قبل أن يستقيل في 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
عملياً، كانت الانتفاضة هي سبب إسقاط حكومة الحريري بعد 12 يوماً من انطلاقتها، احتجاجاً على الهدر والفساد وغياب الإصلاح والتغيير منذ انتهاء الحرب اللبنانية (1975 – 1990) حتى اليوم، وهي عناوين مركزية لا ينظر بكثير من الارتياح إلى قدرة الحكومة الجديدة على معالجتها، أخذاً بعين الاعتبار تركيبتها وهوية الأطراف المشاركة فيها والغائبة عنها، فضلاً عن موقف الشارع الرافض لها.
وعلى الرغم من مطالبة الشارع في لبنان، الذي يشهد واحدة من أسوأ أزماته المركبة، خصوصاً الاقتصادية مع انهيار سعر العملة المحلية (الدولار الأميركي يساوي 2000 ليرة في السوق الموازية، بينما يعادل 1515 ليرة في المصارف)، بحكومة اختصاصيين من خارج هذه الطبقة السياسية ـ المالية تكون قادرة على تحقيق الإصلاحات المطلوبة لمحاولة إنقاذ لبنان من الانهيار الذي يواجهه، إلا أن الوزراء الـ20 الجدد من الواضح أنهم لن يلبّوا هذه التطلعات، لكونهم مرتبطين بشكل أو بآخر بالأحزاب والتيارات السياسية اللبنانية. حتى إن عملية التشاور التي قادها دياب، الذي دخل لأول مرة نادي رؤساء الحكومة، مع السياسيين، تمحورت حول "حصصهم" في الحكومة، ما يُسقط عنها صفة حكومة "تكنوقراط" أو "اختصاصيين".

كما أن التشكيلة الوزارية الجديدة يُمكن تصنيفها في سياق حكومة مواجهة من لون واحد، إذ إن قوى 8 آذار (حزب الله، التيار الوطني الحر، حركة أمل) سيطرت على التشكيلة الحكومية في مقابل غياب تيار المستقبل، كما حال النائب السابق وليد جنبلاط (زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي) الذي خرج من التشكيلات الوزارية للمرة الأولى منذ نهاية الحرب. كذلك لم يشارك حزبا القوات والكتائب. 

في الشكل، يمكن تسجيل عدد من الملاحظات على التركيبة الحكومية التي توزعت كالآتي: 10 وزراء مسلمين (4 سنّة، 4 شيعة، 2 دروز)، و10 مسيحيون (4 موارنة، 3 أرثوذكس، 2 كاثوليك، أرمني). ومن بين الوزراء الـ20، 6 منهم من النساء، في أكبر حصة نسائية في تاريخ الحكومات اللبنانية. 

حصل حزب الله على وزارتي الصناعة والصحة العامة، وحصلت أمل على وزارة المالية ووزارة الزراعة والثقافة (بعد دمجهما)، كما يُمكن احتساب وزير الاتصالات منهما، لكونه تابعاً لـ"اللقاء التشاوري" (النواب السنة الحلفاء لحزب الله). أما حصّة رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحرّ فبلغت 6 وزارات؛ هي الدفاع، والخارجية والمغتربين، والطاقة والمياه، والاقتصاد والتجارة، والعدل، والمهجّرين. ونال تيار المردة وزارتي الأشغال العامة والنقل، والعمل. وحصل رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني، النائب طلال أرسلان، على وزارتي الإعلام، والسياحة والشؤون الاجتماعية (بعد دمجهما). وحصل حزب الطاشناق على وزارة الشباب والرياضة. في المقابل حصل رئيس الحكومة على وزارات الداخلية والبلديات، والتربية، والبيئة والتنمية الإدارية (بعد دمجهما).

واستمرت معركة تشكيل الحكومة حتى اللحظة الأخيرة التي سبقت ولادتها. وتم تسجيل اشتباكات داخلية على الحصص الوزارية والمذهبية الضيّقة، لعلّ أبرزها بين رئيسي التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل (كان يشغل حتى يوم أمس منصب وزير الخارجية)، وتيار المردة بزعامة سليمان فرنجية. وشنّ فرنجية هجوماً على باسيل في مؤتمرٍ صحافي أمس الثلاثاء، واصفاً إياه بـ"الطمّاع" و"الجشع" و"الذي يريد أن يأخذنا إلى الهاوية". وجاء ذلك لاعتبارات مرتبطة بحساباتهما بأن هذه الحكومة ستستمرّ حتى عام 2022 موعد الانتخابات الرئاسية والنيابية والبلدية، حسبما هو مفترض. وستُشرف هذه الحكومة على كل الاستحقاقات، وبما أن فرنجية وباسيل هما مرشحان تقليديان للرئاسة، فكان من الطبيعي وقوع خلاف على عدد الحصص الوزارية أو نوعيتها. 

ولم يقتصر خلاف اللحظات الأخيرة داخل قوى 8 آذار على فرنجية وباسيل فحسب، بل امتد ليشمل الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي عاد وامتنع عن المشاركة في الحكومة لرفضه الحصول على مقعدٍ درزي، مطالباً بمقعدٍ مسيحي، ليحصل رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني، النائب طلال أرسلان على الحصة الدرزية، المتمثلة بوزيرين، وذلك بعد رفع عدد الوزراء من 18 إلى 20 وزيراً. 

على الورق، لم يحصل أي فريق على ثلثي عدد الوزراء، وهو الثلث المعروف في لبنان بـ"الثلث المعطل" أو "الثلث الضامن"، وأهمية هذا الثلث تكمن في قدرته على التأثير المباشر في العمل الحكومي، ويتحكم في القرارات التي تتطلّب موافقة ثلثي أعضاء الحكومة، سواء بما يتعلّق بالتعيينات في إدارات الدولة، أو بالقرارات المهمة. لكن باسيل حصل عملياً على أكثر من الثلث، أي نحو 9 وزراء، على اعتبار أن الوزيرين المحسوبين على أرسلان والوزير المحسوب على الطاشناق، هم حلفاء طبيعيون له في تكتل "لبنان القوي" النيابي. بالتالي فإن باسيل حصل على العدد الأكبر من الوزراء، فارضاً نفسه قوة تنفيذية، في مقابل تظلّله بقوة حزب الله.

في المضمون، طرح تمسّك الأحزاب السياسية الأساسية ببعض الحقائب الوزارية تساؤلات حول ما إذا كانت لدى القوى التي ألفت الحكومة رغبة حقيقية في إجراء أي تغييرات فعلية، خصوصاً أن وزارة الطاقة والمياه ظلّت ضمن حصة التيار الوطني الحرّ، كما تمسّكت حركة أمل بوزارة المالية وحزب الله بوزارة الصحة. مع العلم أن أداء الوزارات الثلاث، في مرحلة ما بعد الحرب اللبنانية، هي الأسوأ من بين كل الوزارات، سواء لسوء الخدمات المقدمة للمواطنين أو لحجم الفساد فيها. لهذه الأسباب مجتمعة، كان المنتفضون، الذين احتشدوا في بيروت وطرابلس وقطعوا الطرق في بعض المناطق الساحلية، واضحين في موقفهم بأن هذه الحكومة لا تلبي تطلعاتهم. 

إلا أن التحدّي الأهم للحكومة يكمن في أمرين: اعتماد الإصلاحات التي يُطالب بها المجتمع الدولي لتحويل أموال مؤتمر "سيدر" (المنعقد في إبريل/ نيسان 2018)، أو معالجة الوضع الاقتصادي والمالي المتردّي بعيداً عن الخارج. والأمران لن يكونا نزهة إطلاقاً، وهو ما حاول دياب القول إنه يأخذه بعين الاعتبار، مقرّاً بجهله عمر حكومته المتوقع من جهة، ومعلناً أنه سيبدأ جولة عربية لمساعدة لبنان مالياً، وهو احتمال لن يعالج الأزمة بل سيراكم الديون ويؤخر التدهور المالي. وظهر من خلال إعلانه اليوم الأربعاء أنه "من غير الوارد إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة" أنه لن يمسّ بالهيكلية المصرفية التي دمّرت البلاد، على الرغم من تأكيده أن "نهج الحكومة المالي والاقتصادي سيكون مختلفاً تماماً عن سابقاتها".

وخلال كلمته في قصر بعبدا الرئاسي، مساء الثلاثاء، حاول دياب الترويج لحكومته قائلاً إن "الحكومة الجديدة هي فريق إنقاذ، وستكون سريعة وليست متسرعة في التعامل مع الضغوط الاقتصادية والمالية الهائلة". وتعهّد بتعامل حكومته مع مطالب المحتجين وانتشال البلاد من أسوأ أزمة اقتصادية تمر بها منذ عشرات السنين. 



وفي محاولة للتأكيد على عدم الرغبة في تضييع الوقت، عُقدت أول جلسة حكومية عقب التقاط الصورة التقليدية للحكومة مع رئيس الجمهورية في بعبدا اليوم الأربعاء. وتوجه عون، الذي ترأس الجلسة، إلى الوزراء بالقول: "مهمتكم دقيقة وعليكم اكتساب ثقة اللبنانيين والعمل لتحقيق الأهداف التي يتطلعون إليها، سواء بالنسبة إلى المطالب الحياتية التي تحتاج إلى تحقيق أو الأوضاع الاقتصادية التي تردّت نتيجة تراكمها على مدى سنوات طويلة". وشدّد على ضرورة العمل لمعالجة الأوضاع الاقتصادية واستعادة ثقة المجتمع الدولي بالمؤسسات اللبنانية، والعمل على طمأنة اللبنانيين إلى مستقبلهم. وقال: "لقد سبق أن أعددنا خطة اقتصادية وإصلاحات مالية سيقع على عاتق الحكومة تطبيقها أو تعديلها عند الضرورة". ودعا عون إلى "عقد جلسات متتالية لمجلس الوزراء لإنجاز جداول الأعمال وتعويض ما فاتنا خلال الأسابيع الماضية".

لكن كل ذلك لا يبدو مطمئناً لفئة من اللبنانيين، تحديداً مع اقتراب الانتفاضة من مرور 100 يوم عليها. ويعتقد البعض أن الحكومة، بتركيبتها الحالية التي أصرت عليها القوى السياسية، جاءت كرسالة واضحة من الأحزاب السياسية أنها تتمسك بنفس النهج السابق في إدارة الحكم، مع تغييرات شكلية لا جوهرية يمكن أن تمسّ النظام القائم. وهو ما يجعل من مواجهتها في الشارع أمراً ملزماً، ما يعني أن الاحتجاجات لن تتوقف. وبالتالي فإن الأيام القليلة المقبلة ستكون كفيلة بإظهار ما إذا كانت الحكومة الجديدة ستنتقل بمستوى القمع الأمني إلى مرحلة جديدة أكثر خطورة مما شهده اللبنانيون خلال الأيام الأخيرة التي سبقت تأليف حكومة دياب.
المساهمون