ويُعرَض المشروع للمرة الثانية على البرلمان، بعدما تعثر تمريره في 13 ديسمبر/ كانون الأول الماضي بسبب تغيب ثلثي أعضاء البرلمان، وعدم حصوله على الأغلبية الكافية للمصادقة عليه.
وأوردت الحكومة في شرح أسباب مشروع القانون الذي دعت للمصادقة عليه، أن أنظمة التقاعد سجّلت عجزاً هيكلياً يتفاقم يوماً بعد يوم، ويعود إلى تحولات ديمغرافية تمثلت في تغير التركيبة العمرية، إذ تطور عدد المحالين على التقاعد من 3100 سنة 1985 إلى 18544 سنة 2016، إضافة إلى تحسن مؤشر الحياة عند الولادة من 64 سنة سابقاً إلى 75 حالياً، ما يعني ارتفاع سنوات التمتع بالمستحقات.
وساهمت عوامل أخرى في عجز الصناديق، من بينها التقاعد المبكر وتأثيره على نقص المساهمات، مقابل ارتفاع عدد المنتفعين برواتب التقاعد والزيادات في الأجور، التي ترتب عنها أيضاً زيادة في جراية التقاعد.
واقترحت الحكومة أن يتم ترفيع سنتين بصفة إجبارية في سنّ التقاعد، مع إعطاء إمكانية الترفيع بسنة واحدة للراغب في ذلك، الذي تنطبق عليه جملة من الشروط. ويؤدي ذلك إلى زيادة عدد العاملين وتأخر انتفاعهم بجرايات التقاعد، ما قد ينعش الصندوق ويخفف من حدة أزمته المالية، وأقرت أيضاً زيادة نسب مساهمات المنخرطين في الصناديق بنسبة 3 في المائة، على أن يتحمل المشغل 2 في المائة منها، ويقتطع 0.5 في المائة منها للعامل بداية من نفاذ القانون الجديد، والـ0.5 في المائة المتبقية تقتطع انطلاقاً من شهر إبريل/ نيسان لسنة 2020، ما يعني ترفيعاً إجمالياً بـ1 بالمائة في المساهمة الحالية، التي يتحملها العون العمومي.
ونصّ المشروع الجديد على تغريم المؤسسات العمومية، التي تأخرت في سداد مستحقات صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية (المتكفل بجرايات موظفي القطاع العام)، والتي بلغت 600 مليون دينار في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، نتيجة امتناع هذه المؤسسات عن دفع مساهماتها في الخدمات الصحّية والاجتماعية، التي انتفع بها عاملوها أو عن سداد مستحقات التغطية الاجتماعية المتعلقة بهم.
وأنهت لجنة الصحّة والشؤون الاجتماعية، اليوم الخميس، النظر في مشروع قانون نظام المستحقات (الجرايات) المدنية والعسكرية للتقاعد والباقين على قيد الحياة في القطاع العمومي، ولم تستغرق عملية دراسة المشروع والتصويت عليه أكثر من حصة عمل واحدة.
وأكد رئيس اللجنة سهيل العلويني في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن العملية لم تأخذ حيزاً زمنياً طويلاً، نظراً لأن اللجنة سبق أن تعمقت في دراسة هذا المشروع السنة الماضية واستمعت لكل الأطراف وأعدّت تقريرها حوله، بيد أنها فوجئت آنذاك بسقوطه في الجلسة العامة.
يذكر أن المشروع لم يتحصل إلا على واحد وسبعين صوتاً في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وذلك إثر تغيب عدد كبير من النواب، ولا سيما في ظل انتهاء التوافق بين كتلتي النهضة ونداء تونس، وعدم التزام كتلة الائتلاف الوطني الموالية لرئيس الحكومة بالحضور لتمرير مشاريع القوانين.
واعتبر وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي، في تصريحات صحافية سابقة، أن سقوط المشروع حادثة مؤسفة تبيّن غياب الجدية في التعامل مع منظومة إصلاح الصناديق الاجتماعية، التي يعتبر هذا المشروع إحدى ركائزها.
وقال رئيس اللجنة سهيل العلويني لـ"العربي الجديد"، إن المشروع سيساهم في إنعاش الصناديق وتعديل منظومة التغطية الاجتماعية، آملاً أن ينال الأغلبية في الجلسة العامة وتتم المصادقة عليه.
في هذا الصدد، أفاد مدير عام الضمان الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية كمال المدوري، لـ"العربي الجديد"، عقب الاستماع إليه من اللجنة اليوم، أنه دعا النواب في بداية الجلسة لاستحثاث النظر والمصادقة على المشروع، فإنعاش منظومة الضمان الاجتماعي يؤدي مباشرة إلى إنقاذ الصندوق الوطني للتأمين على المرض (متكفل بالتغطية الصحّية ودفع مستحقات العلاج للمضمونين الاجتماعيين في العام والخاص).
وأبرز المتحدث أن عجز صندوق التأمين يؤدي إلى تردي الوضعية المالية للمستشفيات والمؤسسات الصحّية، ما يعني أن كامل منظومة التغطية الاجتماعية والصحّية قد ينهار.