الحكومة التونسية الجديدة: لائحة أولية بمرشحين لحلّ عقدة النقابيين

10 يونيو 2016
أولويات الحكومة الجديدة إقرار إصلاحات اقتصادية (ياسين غيضي/الأناضول)
+ الخط -
وضع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي سلّة معايير واضحة لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، التي دعا إليها الأسبوع الماضي، ليجعل من هذا الموضوع أولوية مباحثات التونسيين ومحط اهتمامهم الأول منذ ذلك الحين.

ولئن استطاع السبسي، بحنكته المعروفة، أن يفرض على الأحزاب والشخصيات التونسية، والمواطنين، جدول أعمال لم يستشر فيه أحداً، كما أكد بنفسه، فإنه وضع نفسه والبلاد في مأزق حقيقي، يتطلب تجاوزه وقتاً طويلاً وتوافقاً واسعاً من أجل التمكّن من تشكيل هذه الحكومة الجديدة، التي يعرف السبسي أنها لن تكون حكومة وحدة وطنية بكل ما للكلمة من معنى. ويدرك السبسي، عندما أعلن عن مبادرته، أن أحزاب المعارضة لن تشارك في هذه الحكومة، وخصوصاً الأحزاب اليسارية التي تشكل قوة أساسية في المعارضة والتي لن تقبل بمشاركة حزب "حركة النهضة" في أي حكومة، إلا إذا قرّر السبسي إعادة خلط الأوراق جذرياً، وإبعاد "النهضة" من الائتلاف الحكومي، وترتيب المشهد السياسي التونسي من جديد، بعد تعاظم دور "النهضة" تدريجياً في الأشهر الاخيرة، وتزايد حجمها الكبير الذي عاينه بنفسه في افتتاح مؤتمرها الأخير.

وعلى الرغم من أن هذا السيناريو يبقى مستبعداً، وغير منطقي، إلا أنه يبقى ممكناً سياسياً. بمعنى آخر، يبقى الحديث عن دخول أحزاب من المعارضة إلى الحكومة مسألة صعبة للغاية، إلا إذا استطاع السبسي أن يقنع بعض الأطراف المعتدلة بذلك، وشق صفوفها بالتالي. ولكن السبسي يضع شرطاً صعباً لتشكيل حكومته الجديدة، ويتمثل بدخول منظمتي "رجال الأعمال" والنقابيين إلى الحكومة. وإذا كان دخول المنظمة الأولى ممكناً ومتاحاً، إلا أن "اتحاد الشغل" يرفض المشاركة مباشرةً في الحكومة.

ولكن السبسي يصرّ على هذا الأمر، وتؤكد مصادر مطلعة لـ "العربي الجديد" أنه قد يتم إقناع النقابيين بدخول بعضهم إلى الحكومة، لا سيما أولئك الذين لا يضطلعون بأي مسؤولية قيادية في النقابات حالياً. وربما يتمكن السبسي من إقناع المنظمة النقابية بأن تكون على تماس مع الحكومة الجديدة، من دون التورط فيها مباشرة، عبر تعيين وزراء ترضى عنهم أو يمثلونها، وإبعاد وزراء آخرين من الذين دخلوا في صراع مع منظمة الشغيلة في الأشهر الماضية، ما تسبب في حالة من الاضطرابات، يريد السبسي أن يضع حداً لها. وتقول المصادر نفسها لـ "العربي الجديد" إنه من المتوقع جداً عودة وزير الشؤون الاجتماعية السابق، عمار اليونباعي، إلى منصبه، وهو الذي أدار الحوارات الاجتماعية الساخنة جداً بين النقابة وبعض الوزارات. وتشير أيضا إلى أن الحكومة الجديدة قد تشهد دخول، عبيد البريكي، أحد النقابيين المعروفين، وهو من الوجوه النقابية واليسارية المعروفة، ومن أهم قيادات حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، أحد مكونات "الجبهة الشعبية".

ويقود دخول اليونباعي والبريكي بالضرورة إلى إبعاد وزير الشؤون الاجتماعية الحالي، محمود بن رمضان، ووزير التربية ناجي جلول، بالإضافة إلى وزير الصحة سعيد العايدي، الذي تطالب النقابة برأسه، علماً أن الثلاثة يمثلون حزب "نداء تونس". وإذا كان إبعاد بن رمضان والعايدي شبه مؤكد، فإن جلول سيبقى في المشهد الجديد، لأسباب متعددة، أولها أنه لم يخرج قط عن صف الحزب في كل أزماته، والثاني أنه أكثر الوزراء شعبية من بين كل أعضاء الحكومة، ولكنه قد يكلف بحقيبة جديدة إذا أوكلت وزارة التربية للبريكي، أو لعله يمنح حقيبة التعليم العالي. وإذا كان "توريط" اتحاد الشغل يمكن أن يتم بهذه الطريقة، فإن للاتحاد شروطاً أخرى بالتأكيد، أهمها التوافق على عدد من الملفات الهامة أولا، ثم اختيار رئيس الحكومة الجديد.


ويشير القيادي في "حركة النهضة"، عبد اللطيف المكي، إلى أنه سيتم العمل على تشكيل حكومة موسعة تضم أطرافا سياسية واجتماعية، إذا لم يتم التوصل إلى تكوين حكومة وحدة وطنية. ويقول المكي في تصريح إذاعي، إن من مواصفات رئيس الحكومة الجديدة أن يكون شخصية سياسية دون اشتراط أن يكون متحزباً، مشدداً على ضرورة أن تحصل استقالة رئيس الحكومة، الحبيب الصيد، بطريقة مشرفة، نظراً لما قدّمه الرجل خلال الفترة الأخيرة، حسب قول المكي.

وتبدو مسألة اختيار الرئيس الجديد للحكومة على قدر كبير من الصعوبة، وتمر أولا عبر إقناع الصيد بالاستقالة، لانه لا يمكن للرئيس أن يقيل رئيس حكومته دستورياً. وعلى الرغم من أن هذا الأمر لا يبدو صعباً جداً، إلا أن البحث عن خلف له يمر حتماً عبر المواصفات السياسية التي يجسدها رئيس الحكومة الجديد. وفي مقدمة هذه المواصفات أن يحظى بثقة حلفاء الحكومة، وثقة الدول المانحة لتونس، وأن يكون شخصية قوية بإمكانها استعادة هيبة الدولة وفرض برنامج إصلاحات سريع.

ويبدو أن السبسي بصدد البحث عن شخصية ذات مواصفات اقتصادية، لم تكن متوفرة في الصيد. ويتم حالياً تداول عدد من الأسماء، تتوفر فيها هذه الشروط، من بينها مستشاره الحالي، رضا شلغوم، ومحافظ البنك المركزي الأسبق مصطفى كمال النابلي، ووزير التخطيط قبل الثورة، النوري الجويني، الذي تحمل المسؤولية كتكنوقراط ولم تعرف له انتماءات سياسية، إضافة إلى عدد من الأسماء الأخرى. وتؤكد مصادر لـ"العربي الجديد" أن الجويني له حظوظ كبيرة لتولي منصب رئاسة الحكومة، لكن يبدو أنه رفض العودة إلى الحياة السياسية، ويجري التشاور معه بهدف إقناعه بإدارة الحكومة الجديدة، علماً أنه ليس من السهل أن يوافق على ذلك.

ويتم  أيضاً تداول اسم مؤسس الحزب الجمهوري، لكن المستقيل منه، أحمد نجيب الشابي، الذي يعتبر أن مبادرة حكومة الوحدة الوطنية هي محل إجماع جميع الأطراف السياسية. ويؤكد الشابي "أنه لن يرفض تولي منصب رئيس الحكومة في صورة ترشيحه، لأنه واجب وطني". ويبدو اسم الشابي، في ظروف أخرى، أمراً معقولاً ومنطقياً، بالنظر إلى شخصية الرجل وتاريخيه النضالي الطويل ونظافة كفّه وشخصيته القوية، لكن تعيينه في هذا الوقت يعتبر أمراً صعباً جداً وغير ممكن، بسبب شخصيته المستقلة، وإمكانية خروجه عن طاعة الرئيس، ما قد يقود بحسب تصريح أحد المسؤولين الحزبيين من "نداء تونس" إلى إمكانية "هروبه بالحكومة".

في المحصلة، من المؤكد أن السبسي يحتفظ باسم رئيس حكومته الجديد وسيعلن عنه سريعاً، لأنه يدرك أن التأخير غير مجدٍ، ولا يريد أن يطيل من فترة الفراغ التي تلي إعلان أي تغيير في الحكومة، خصوصاً في هذه الظروف الحساسة التي تمر بها تونس.