الحقوق ليست مالاً فقط

06 مارس 2017
لقوانين أكثر إنسانية (توماس سامسون/فرانس برس)
+ الخط -


يقف المال دوما بالمرصاد في وجه حقوق العاملين في المجالات كافة. ويستفيق العمال والموظفون غالبا في المناسبات التي اختيرت أياما عالمية لـ"الحقوق"، والتي تفصل الأجناس والفئات، فمرة هو يوم لحقوق المرأة، ومرة يوم للعمال، وآخر لحماية حقوق الطفل وهكذا.

هي أيام ومناسبات ترسخ الفكرة الأساس بأن المال وما تحويه هذه المفردة من سلطة وقوة وانحياز وقمع وتمييز وإفقار وتهميش... إلخ، يلعب لعبة بيع الخدمات والوظائف والأعمال بالمساومة والابتزاز والإقراض والإدانة والتي يخرج منها العاملون والمشتغلون في نهاية المطاف خاسرين إجمالا.

ترفع الأمم المتحدة في يوم المرأة العالمي 2017، الموافق في 8 مارس/ آذار الجاري، شعار تقليص الفجوة في الأجور بين النساء والرجال. إنها مجددا مسألة المال الذي يصعب على المؤسسات (بدءاً من الحكومات التي تشرع قوانين العمل) التفريط به، خصوصا لصالح فئة يهمشها الاقتصاد تارة ويستقطبها تارة أخرى حسب الحاجة لها وفقا للمتغيرات، وهي فئة النساء.

هو صراع يتضخم إلى حدود الفجاجة منذ بدء التصنيع. يسابق العمال والموظفون الأيام لكسب "المعلوم"، وتسحب منهم "المؤسسة" قدر استطاعتها الجهد والإمكانيات وحتى الوقت، كأنه "كباش" ينتصر فيه المال على الأغلب.

المعادلة واضحة، فالعمل يقاس ويقدّر بالمال، لكن الجانب الإنساني المتغلغل في طياتها يغيب. يظهر في المناسبات والأيام العالمية التي تحتفي بحقوق الإنسان على اختلافها، ليعود إلى القاع من جديد وهكذا دواليك.

أكلت ثقافة المال من حياة الناس جوانب كثيرة حتى وصلت إلى الروح. تلك الثقافة المستفحلة في أنماط السلطة المؤسساتية التي تغيّب قيما كثيرة موجودة لدى جحافل العاملين، أو تقمعها، ومنها متعة العمل، حب الوظيفة، التعاون، وحدة المصير، المصلحة العامة، العطاء... إلخ.

وإن كانت قلّة قليلة من الحكومات تعمل على تقييم العامل على أنه إنسان وليس آلة، وتدرك أنه خلطة بشرية لها متطلبات وحقوق متجددة ومتغيرة، وجديرة بأن تلحظها قوانين العمل وفق حركة تطوير وإعادة إنتاج دائمتين. إلا أن الملايين يجدون أنفسهم، بعلمهم أو بغير علمهم، عبيدا للعمل من أجل المال متوهمين أنهم سيملكونه يوما، على اعتبار أنه هو المبتغى والقصد. لكنهم يهرمون وينال منهم تعب العمر، وينتبهون إلى أن مال الوظيفة والعمل لم يكفهم، وأن المكافأة التي يجب أن ينالوها في النهاية، والقيمة الحقيقية لعملهم وكدّهم ذهبت هباء، أو أنها على الأصح لم تكن ملحوظة.

لا يمكن الاستغناء عن المال بالطبع، ولكن لا يجب أن نرضى بأن نتحول من أجله إلى أشياء، إلى بائعين للوقت والجهد وبقايا الإنسان فينا. مؤسسات وحكومات روجت أن المال هو الحلم وهو مقياس النجاح والجدارة، ونجحت في ذلك.

الدفاع عن الحقوق مسار عمالي مشروع حتما، وجولات الكرّ والفرّ لنيل المطالب تستمر. وإن كان الشعار الأبرز بين مطالب الناس يتركز على الأجور، إلا أن إنسان اليوم لا بد أن يدرك أن الأجر ليس مالا فقط، بل هو صورة جافة ومحنطة ليوميات يقضيها في عمل يجب أن يرضيه ويشعره بإنسانيته قبل أي شيء آخر.

ربما يكون من الأسهل على الحكومات والمؤسسات أن يطالبها الناس بتحسين أجورهم، لأنها تمرست في لعبة تحويل هذا الحق لصالحها. أما أن يطالبوها بقوانين تحمي إنسانيتهم وكرامتهم وحريتهم وتقدّر قيمتهم كبشر، فهذا صعب، لأنه قياسا على نماذج كثيرة جدا منها، يصح القول إن فاقد الشيء لا يعطيه.


المساهمون