يعد الحظر المالي الأخير، أو الحظر الثالث، الذي طبقته الولايات المتحدة ومجموعة الدول الأوروبية على روسيا، يوم الثلاثاء، أقوى إجراءات عقابية على موسكو حتى الآن، مقارنة بجولتي الحظر، اللتين طبقتهما في يناير/ كانون الثاني وأبريل/نيسان الماضي.
يذكر أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي طبقا جولة جديدة من العقوبات، تستهدف قطاعات البنوك والطاقة والدفاع الروسية، يوم الثلاثاء.
وفي الحظرين السابقين، كانت الاجراءات محدودة وشكلية وانتقائية، ولا تستهدف تدمير الاقتصاد الروسي، مقارنة بالحظر المالي، الذي طبق على إيران أو حتى كوبا. أما في هذا الحظر الاخير، فقد استهدفت أميركا قطاع النفط والبنوك وحرمان الشركات الروسية من استخدام النظام المالي العالمي لاستصدار سندات التمويل.
وهنالك توقعات اقتصادية واسعة أن يدخل الاقتصاد الروسي بعد تطبيق هذا الحظر، في ركود عميق خلال العام الحالي، ما لم تمد المستشارة ميركل طوق النجاة للدب الروسي، بمفاوضاتها السرية، التي كشفت عنها الصحافة البريطانية اليوم.
وسبب دخول الاقتصاد الروسي في ركود عميق، كما يقول اقتصاديون غربيون: "يعود في جزء كبير منه إلى ضعف الاقتصاد الروسي، وإلى الحظر الاخير الذي طبقته أميركا وأوروبا الغربية على روسيا، وسيزيد من الاعباء المالية على المركزي الروسي، ويرهق الاحتياطات الاجنبية لروسيا".
والاقتصاد الروسي اقتصاد ضعيف، يقدر حجمه بحوالى تريليوني دولار، كما تقدر السوق الروسية بحوالى 350 مليار دولار. ويعتمد الاقتصاد الروسي على الموارد الطبيعية، خصوصاً الثروة النفطية والغاز الطبيعي، وبالتالي يعد ضربه أمرًا سهلًا من خلال حظر شركات الائتمان والبنوك الروسية.
وبحسب تقديرات الاقتصادي، روبرت كاهن، الزميل في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، فإن العقوبات المحدودة، التي طبقها الغرب، خلال الشهور الماضية، كلفت الاقتصاد الروسي ثمناً باهظاً. فالأسهم الروسية فقدت 9% من قيمتها، كما أن العملة الروسية، الروبل، فقدت قرابة 10% من قيمتها، وتدهورت قيمتها.
وحدث هذا التدهور رغم أن المصرف المركزي الروسي كان يتدخل يومياً في أسواق الصرف، لدعم العملة، ورفع سعر الفائدة مرتين لحماية الروبل، حيث رفع سعر الفائدة من 6.5% إلى 7.% ومن 7.0% إلى 7.5% منذ بداية الأزمة الأوكرانية.
ومن المتوقع أن ينهي الروبل العام عند 36.5 للدولار مقارنة مع 35.8 في التوقعات السابقة. ويعادل هذا انخفاضا نسبته حوالى 3.0% عن مستواه الحالي.
وعلى صعيد الديون الخارجية، يقول الاقتصادي، أندريه أوسلند، الزميل في معهد "بيتر إنستتيوت" في واشنطن، إن اجمالي الديون الروسية الخارجية بلغ 732 مليار دولار، بينها 128 مليار دولار ديون على المصارف المملوكة للدولة و164 مليار دولار للشركات الحكومية و80 مليار دولار ديون خارجية على الحكومة. وهذه الأرقام الأخيرة هي حتى أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ورغم أن لدى روسيا احتياطياً أجنبيًا يقدر بنحو 477 مليار دولار، إلا أن هذا الاحتياطي سيتآكل سريعاً إذا عمدت الحكومة الروسية إلى دعم الشركات والبنوك، التي تعرضت للحظر المالي الاخير.
كما أن خدمة الديون، واحتياجات دعم الروبل، واحتياجات الاستيراد، ستقضي على هذا الاحتياطي المالي في ظل حرمان الحظر للشركات الروسية من اصدار سندات دين جديدة لتمويل مشاريعها.
وقال البنك المركزي الروسي إن حجم رأس المال المتجه الى خارج البلاد بلغ 75 مليار دولار في النصف الأول من العام.
وكانت "ستاندرد آند بورز" قد خفضت تصنيفها الائتماني للديون السيادية الروسية قصيرة وطويلة الأجل بالعملة الأجنبية بعد الموجة الأولى من العقوبات الغربية، التي فرضت عقب ضم روسيا منطقة القرم الأوكرانية في وقت سابق هذا العام.
وأظهر مسح لرويترز، اليوم الخميس، أن خبراء الاقتصاد يتوقعون تراجعاً حاداً في نمو الاقتصاد الروسي في العام الحالي، مع انخفاض الاستثمار، وهروب المزيد من رؤوس الاموال، وتراجع الروبل، مع تشديد الغرب العقوبات على موسكو بسبب أزمة اوكرانيا.
وتوقع المسح، الذي شمل 15 خبيراً اقتصادياً، نمو الناتج المحلي الاجمالي 0.3 % لهذا العام. ورغم أن هذه النسبة لم تتغير عن مسح الشهر الماضي، إلا أنها أقل من التوقعات الرسمية للحكومة الروسية 0.5 %.
وقال الخبير الاقتصادي، لدى بنك دانسكه في كوبنهاجن، فلاديمير ميكلاشيفسكي:"نعتقد أن ضعف الثقة قد يزيد بين الشركات الروسية، التي تتعاون مع بنوك غربية .. ويؤثر على الاستثمار واستيراد السلع الاستهلاكية إلى روسيا." واضاف قائلا: "إذا تصاعد الوضع بدرجة أكبر، فلا يمكن أن نستبعد احتمال حدوث مزيد من الخفض في تصنيف الدين السيادي الروسي."
وجرى تقليص التوقعات لنمو الاقتصاد الروسي، عدة مرات، هذا العام. ويتوقع صندوق النقد الدولي نموا نسبته 0.2% فقط، لكنه قال إن العقوبات، التي فرضت بسبب أوكرانيا، قد تدفع روسيا إلى عزلة اقتصادية.
ولم تتغير التوقعات للتضخم، حيث تنبأ المسح بأن تنهي روسيا العام عند معدل تضخم يبلغ 6.5%، وهو مستوى أعلى بكثير من هدف البنك المركزي البالغ 5.0%.
كما زادت بشدة التوقعات لهروب رأس المال، وانخفاض قيمة الروبل، مقارنة مع المسح، الذي أجري الشهر الماضي. وأظهر المسح أن من المتوقع حاليا أن يسحب المستثمرون 118 مليار دولار من روسيا في عام 2014 مقارنة مع توقعات لسحب 100 مليار دولار في مسح الشهر الماضي.