تُقدر مساحة الأراضي العراقية الصالحة للزراعة حتى مطلع العام الحالي بنحو 48 مليون دونم، بحسب تقارير سابقة لوزارتي الزراعة والتخطيط العراقيتين.
تتركز هذه الأراضي في شمال العراق وجنوبه ووسطه وغربه. إلا أن المعلن زراعته هذا العام، خلال الموسم الشتوي، لا يتجاوز 12 مليون دونم فقط، غالبيتها استغلت في زراعة القمح والشعير والذرة، بينما تشكل البساتين العراقية المنتجة للفواكه المختلفة بأكثر من مليون دونم، وبساتين النخيل بنحو 5 ملايين دونم في عموم مناطق العراق.
هذا الواقع يضع العراق في قائمة الدول العربية التي تمتلك ثروة زراعية كبيرة بعد مصر والسودان، إلا أنه فعلياً في ذيل القائمة حالياً بسبب عدم تفعيل القطاع الزراعي بالبلاد، واحتضاره تحت ضربات المنتجات الزراعية الإيرانية والتركية، التي يتم استيرادها يومياً عبر المنافذ الحدودية البرّية بينها وبين بغداد.
فساد وإغراق
وكشف المسؤول العراقي، أن نحو أربعة مليارات دولار سنوياً تخرج من العراق نحو إيران وتركيا لشراء المنتجات الزراعية المختلفة، التي تصل إلى 35 منتجاً أغلبها كانت تزرع في العراق. ويلفت إلى أنه كان من الممكن أن يبقى هذا المبلغ في البلاد، ويذهب للفلاح ويعزز إنتاج الزراعة العراقية.
ويؤكد أن سياسيين وشخصيات حكومية وحتى رجال دين، يمتلكون إجازات استيراد منتجات زراعية من إيران وتركيا، ولهم مصلحة في إبقاء القطاع الزراعي مشلولاً، "إذ إن عودة الحلقة الاقتصادية في العراق من الفلاح إلى البقال كما كانت لن تكون لصالح هؤلاء، وخصوصاً أن المبالغ التي يستورد فيها العراق الخضار والمنتجات الزراعية خيالية".
ويشرح المسؤول الحكومي، أن حسابات سياسية عطلت في عهد حيدر العبادي جهود تنشيط القطاع الزراعي، كما أن توقف الدعم للأسمدة ودعم المنتج من الحكومة، والفساد في القروض الزراعية عامل كبير في التخلف الحالي، إذ إن هيئة النزاهة اكتشفت مئات القروض "الفضائية" أو الوهمية، ما يعني أن هناك من تسلم قرضاً زراعياً على أرض غير موجودة، أو أنه تسلم القرض ولم يستثمر أرضه للأسف.
ويكشف المسؤول عن أن الحكومة العراقية قررت أن تطرح القطاع للاستثمار، وعرضت على السعودية وقطر ودول أخرى مشاريع استثمار زراعي، لكن مع ذلك فإن الاستثمارات لن تغطي أكثر من 4 في المائة من نسبة الأراضي الزراعية، التي تنتظر معاول العراقيين لاستخراج الخير منها، على حد تعبيره.
حماية المنتج المحلي
وكانت لجنة الزراعة في البرلمان العراقي، اتهمت جهات مختلفة بالعمل على ضرب القطاع الزراعي في البلاد، وتسهيل استيراد منتجات زراعية بالتزامن مع مواسم حصادها في العراق.
ويقول عضو اللجنة سلام الشمري، إن "هناك جهات متورطة في تسهيل عمليات استيراد منتجات زراعية بالتزامن مع أيام حصاد المنتجات في العراق. ويضيف الشمري في تصريح لوسائل إعلام محلية عراقية، أن "الغرض من تلك الأعمال ضرب القطاع الزراعي في العراق والثروة الحيوانية، من خلال خطط وأساليب ملتوية"، عازياً الأمر إلى "عدم تفعيل قانون حماية المنتج المحلي لعام 2010 وغياب الرقابة".
ويتابع أن "اللجنة عازمة على فتح الملف مع وزارتي الزراعة والموارد المائية، فضلاً عن فتح ملفات فساد في وزارة الزراعة للدورة الماضية". وأعلنت وزارة الزراعة العراقية نهاية العام الماضي، ما سمّتها ثمانية قرارات مهمة لتطوير القطاع الزراعي.
إلا أنه، وبحسب مراقبين، لم يظهر شيء على أرض الواقع لغاية الآن. ومن بين الخطوات الثماني بحسب الوزارة، تمويل الفلاحين لشراء البذور والأسمدة وإعفاء المتعثرين منهم من القروض، ودعمهم بالوسائل الحديثة في الريّ.
ويقول الباحث أحمد زيدان لـ"العربي الجديد"، إن "مشكلة العراق الأساسية هي في هجرة الفلاح من الريف إلى المدينة، إذ كان ثلثا سكان العراق فلاحين، وتضم المدن الثلث الآخر.
إلا أن الاستيراد الزراعي العشوائي وغير الممنهج، أدى إلى تدهور حالة الفلاح الاقتصادية، فأصبحت نسبة الفلاحين في الأرياف هي الثلث، إضافة إلى ازدياد العاطلين من العمل، فيما المدن استقطبت العدد الأكبر من السكان.
ويشرح أن هذا الواقع أدى إلى استفحال الأزمات، من السكن والنقل والكهرباء والبيئة والصحة والتعليم والأمن.
ويضيف زيدان: "توجد مشكلة كبيرة ترتبط بالاستيراد الزراعي من دون رسوم جمركية، وعلى الدولة العراقية، لكي تحافظ على اقتصاد العراق، أن تضع الرسوم على المستوردات الزراعية، من أجل الاستفادة من هذه الأموال في دعم الخزينة والموازنة، وللحفاظ على العملة الصعبة، وهذا سيؤدي إلى انتعاش الفلاح ويساهم في عودته إلى أرضه".
معوقات وتحديات
من جهته، يقول ميثم حميد وهو فلاح عراقي لـ"العربي الجديد"، إن "أهم المعوقات التي تهدد الفلاح بالبطالة هو الاستيراد غير المبرمج للدولة. فالخضار والفواكه تدخل إلى العراق بأسعار زهيدة، وكذلك البذور والأسمدة الزراعية".
ويوضح حميد: "نحن في العراق نمرّ بموسم فيض، مثل الموسم الشتائي الحالي، ويمكن للفلاح الزراعة، لكنه يواجه الفروقات في الأسعار في السوق وهذا تحدّ صعب".
ويشرح أن الدولة لم تبادر حتى اليوم إلى استغلال هذه المواسم (مواسم الفيض)، وبناء سدود لتخزين المياه لمواجهة الشح في فصل الصيف الذي يصل إلى حد انقطاع المياه.
ويشير حميد إلى "ما جرى للعراق من انخفاض نسبة المياه في الصيف الماضي، بسبب بناء السدّ التركي وإغلاق إيران للعديد من مجاري الأنهر التي كانت تعدّ من الروافد المهمة في انتعاش الزراعة وتلطيف البيئة".
ويشير إلى أن الأسواق كانت تفيض بالمنتجات الزراعية المحلية، من دون الحاجة إلى الاستيراد. أما اليوم فلا يمكن للفلاح أن يحفر بئراً بعمق 100 متر من دون مساعدة الدولة، وها هو يهجر الأرض وينخرط في الجيش أو الشرطة للحصول على راتب شهري يعيل أهله.