مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، تعاني بغداد بسبب انتشار الحشرات، علماً أن بعض الأنواع ليس مألوفاً بالنسبة للعراقيّين. ولا تنفع مبيدات الحشرات في القضاء عليها، ما يتطلب العمل على تحسين البنى التحتية
السمّ ومبيدات الحشرات تعدّ من الموادّ الأساسية التي توفرها العديد من المحالّ التجارية، سواء التي تبيع تلك المواد فقط، أو الموادّ الغذائية أيضاً. كما يمكن إيجاد هذه المبيدات في حوزة الباعة الجوالين، في ظلّ كثرة الحشرات مع ارتفاع درجات الحرارة في البلاد.
موسى كاظم، الذي يسكن في منطقة علاوي الحلة، أحد أحياء بغداد الشعبية القديمة، يقول إن السمّ لم يعد يفي بالغرض، وقد تواصل مع شركة أجنبية من خلال موقعها على الإنترنت، لترسل له كمية من مبيدات الحشرات الفعالة، التي لا يؤثّر استخدامها على صحة الإنسان أو الحيوانات الأليفة.
كاظم رجل سبعيني، يقول لـ "العربي الجديد" إن العيش في منطقة سكنه بات صعباً للغاية. "ليس من السهل القضاء على الحشرات والقوارض كما في السابق". ويوضح أن انتشار الحشرات في الحيّ الذي يسكنه ليس جديداً، وخصوصاً قبل بدء فصل الصيف. "سابقاً، كنّا ننجح في القضاء عليها"، موضحاً أن قدم شبكات الصرف الصحي قد يكون أحد الأسباب. يضيف، أن هذا حال غالبية الأحياء القديمة. "في السابق كانت المبيدات تقضي على أنواع الحشرات المختلفة التي تنتشر موسمياً. لكن لا أعلم لماذا لم تعد هذه الحشرات تتأثر بالمبيدات".
ومع اقتراب فصل الصيف، تظهر العديد من الحشرات بفعل ارتفاع درجات الحرارة، ما يجعل العراقيين يأخذون احتياطاتهم لتجنّب لدغات بعضها، أو وصولها إلى المواد الغذائية أو الملابس. وبطبيعة الحال، لا تنجح كل الاحتياطات، ما يتطلب جهداً كبيراً. وتقول وحيدة صبار إن همّها الأكبر أصبح إبعاد الحشرات عن أول حفيد لها، الذي لم يبلغ بعد شهره الثامن. وتوضح لـ "العربي الجديد" أنها أعدت مكاناً داخل غرفتها يمنع أي نوع من الحشرات.
تضيف: "لم يعد الحال مثلما كان في السابق. مع أولادي، كنت أضع ناموسية من قماش خفيف شفاف فوق أسرّتهم تمنع تسلل الحشرات التي لم تكن بهذا الكم والنوع. أما اليوم، فأرى أنواعاً غريبة وجديدة، لناحية الشكل أو الحجم أو الأذى. في إحدى المرات، تعرضت للدغات من بعوض تركت أثراً كبيراً على يدي ووجهي، وكانت مؤلمة أيضاً. عالجتها بمراهم خاصة وصفها لي الطبيب، الذي راجعته خشية حدوث مضاعفات. وهذا لم يكن يحدث في السابق".
تؤكد وحيدة التي تسكن في حيّ زيونة، أحد أحياء بغداد الراقية، أن ابنها يستعين بمبيدات حشرات مختلفة، لكنها لا تفي بالغرض. وتقول: "أعتقد أن الحشرات تطورت أو تغيرت. هناك بعض الحشرات التي لم أعهدها من قبل، لكنني أصبحت أراها منذ سنوات قليلة. كما أرى أنواعاً مختلفة من الصراصير. حتى إن جيراني يلاحظون الأمر نفسه".
اقــرأ أيضاً
يختلف الحال في الأحياء الراقية عن تلك الشعبية أو الفقيرة. في الأولى، تقل الشكاوى من الحشرات بسبب طريقة بناء مساكنهم والصرف الصحي الجيد. وتتركز المعاناة في الأحياء الشعبية، التي لم تعمل الجهات الحكومية بعد على توفير الخدمات الأساسية فيها، ما جعل العيش فيها صعباً مع ارتفاع درجات الحرارة.
وسيمة فاضل (42 عاماً) يلازمها خوف قديم من الصراصير، وقد تُصاب بحالة هستيرية لدى رؤيتها صرصوراً. تقول لـ "العربي الجديد"، إنها تأخذ احتياطات عديدة لمنع دخول الصراصير إلى منزلها، ويعينها أولادها على ذلك أيضاً، مبينة أن "الصراصير بدت مختلفة منذ سنوات، وقد تغيرت أحجامها. أرتعب حين أرى صرصوراً بل أصرخ لا إرادياً وبصوت مرتفع".
إلى ذلك، يقول فارس الجيزاني، الذي يبيع الموادّ السامة ومبيدات الحشرات، إنّ "أسباباً عدة أدت إلى انتشار الحشرات، منها تقصير الجهات الحكومية". ويوضح لـ "العربي الجديد": "من الطبيعي أن تتكاثر الحشرات. في المقابل يفترض وجود دور حكومي يمنع هذا الانتشار كما في السابق"، مشيراً إلى أن "تراجع الأداء الحكومي يعدّ سبباً مباشراً لوجود أنواع متطورة من الحشرات". ويشرح أن لهذه الحشرات مواصفات مختلفة، وتحتاج إلى مبيدات مختلفة، علماً أن الحشرات الجديدة تصبح مقاومة للسموم نفسها التي كانت تقضي على تلك غير المتطورة".
الجيزاني يؤكّد أن "الدوائر الحكومية المعنيّة كانت تدرس سابقاً طبيعة الحشرات وتطورها، وتستورد المبيدات اللازمة للقضاء عليها. وعلى الرغم من أن هناك دراسات ومتابعة من قبل هذه الدوائر، ما من اهتمام حقيقي بالنتائج لعدم وجود رقابة صارمة تفرض على الجميع أداء واجبهم بالشكل الصحيح".
من جهته، يقول محمد البياتي وهو مهندس زراعي في أمانة بغداد، التي تعنى بتوفير الخدمات البلدية للعاصمة العراقية بغداد، إن "ظهور حشرات غير موجودة مسبقاً أمر طبيعي، ووجود الحشرات بأعداد أكبر من السابق أمر طبيعي أيضاً". البياتي لا يستخف بالأمر، بحسب قوله، لكنه يشير إلى وجود أسباب عديدة خارجة عن إرادة الجهات الحكومية المتخصصة، أدت إلى هذه النتيجة. يضيف لـ "العربي الجديد"، أن "الأمر يعود لأكثر من عقدين وليس وليد سنة أو سنتين"، موضحاً أن "الأمر متعلق بحالة صعبة عامة عاشها البلد، تمتد إلى فترة مرورنا بحرب مع إيران (1980- 1988)، ثم فترة الحصار (عقوبة أممية نتيجة غزو الكويت في عام 1990)، ثم الحرب التي أطاحت بنظام صدام حسين (2003)".
اقــرأ أيضاً
يضيف: "في هذه الفترات، بدأت الخدمات تقل ونوعيتها تنخفض، وهذه نتيجة طبيعية لمرور البلاد بأزمة أو حرب أو حصار"، مستطرداً: "في هذه الفترات، صار هناك العديد من الأحياء الجديدة لاستيعاب الزيادة السكانية. لكن في ظل ضعف الإمكانيات، وبسبب سياسات إدارية وتنفيذية خطأ، لم تزوّد غالبية الأحياء بالخدمات الأساسية، منها شبكات خاصة بمياه الأمطار والصرف الصحي".
ويلفت إلى أنّ "نقص الخدمات قد يؤدي إلى طفح بالمجاري وتكوين بحيرات من المياه نتيجة الأمطار، وهذه تعد بيئة لوجود وتكاثر الحشرات، بل تستقطب حشرات غير مألوفة، وتنتقل هذه الحشرات إلى أحياء أخرى قريبة قد تكون راقية، الأمر الذي أصبح يزعج السكان الذين لم يألفوا أنواعاً من الحشرات أصبحوا يرونها اليوم في مناطقهم".
الحل بحسب البياتي متوفر وبسيط، لكنه يتطلب دعماً مالياً كبيراً من قبل الدولة، وتضافر جهود مختلف المؤسسات الحكومية، ويتمثل بتأهيل البنى التحتية من جديد، لا في الأحياء الفقيرة فقط، بل حتى في تلك التي تمتاز بالخدمات الأساسية.
موسى كاظم، الذي يسكن في منطقة علاوي الحلة، أحد أحياء بغداد الشعبية القديمة، يقول إن السمّ لم يعد يفي بالغرض، وقد تواصل مع شركة أجنبية من خلال موقعها على الإنترنت، لترسل له كمية من مبيدات الحشرات الفعالة، التي لا يؤثّر استخدامها على صحة الإنسان أو الحيوانات الأليفة.
كاظم رجل سبعيني، يقول لـ "العربي الجديد" إن العيش في منطقة سكنه بات صعباً للغاية. "ليس من السهل القضاء على الحشرات والقوارض كما في السابق". ويوضح أن انتشار الحشرات في الحيّ الذي يسكنه ليس جديداً، وخصوصاً قبل بدء فصل الصيف. "سابقاً، كنّا ننجح في القضاء عليها"، موضحاً أن قدم شبكات الصرف الصحي قد يكون أحد الأسباب. يضيف، أن هذا حال غالبية الأحياء القديمة. "في السابق كانت المبيدات تقضي على أنواع الحشرات المختلفة التي تنتشر موسمياً. لكن لا أعلم لماذا لم تعد هذه الحشرات تتأثر بالمبيدات".
ومع اقتراب فصل الصيف، تظهر العديد من الحشرات بفعل ارتفاع درجات الحرارة، ما يجعل العراقيين يأخذون احتياطاتهم لتجنّب لدغات بعضها، أو وصولها إلى المواد الغذائية أو الملابس. وبطبيعة الحال، لا تنجح كل الاحتياطات، ما يتطلب جهداً كبيراً. وتقول وحيدة صبار إن همّها الأكبر أصبح إبعاد الحشرات عن أول حفيد لها، الذي لم يبلغ بعد شهره الثامن. وتوضح لـ "العربي الجديد" أنها أعدت مكاناً داخل غرفتها يمنع أي نوع من الحشرات.
تضيف: "لم يعد الحال مثلما كان في السابق. مع أولادي، كنت أضع ناموسية من قماش خفيف شفاف فوق أسرّتهم تمنع تسلل الحشرات التي لم تكن بهذا الكم والنوع. أما اليوم، فأرى أنواعاً غريبة وجديدة، لناحية الشكل أو الحجم أو الأذى. في إحدى المرات، تعرضت للدغات من بعوض تركت أثراً كبيراً على يدي ووجهي، وكانت مؤلمة أيضاً. عالجتها بمراهم خاصة وصفها لي الطبيب، الذي راجعته خشية حدوث مضاعفات. وهذا لم يكن يحدث في السابق".
تؤكد وحيدة التي تسكن في حيّ زيونة، أحد أحياء بغداد الراقية، أن ابنها يستعين بمبيدات حشرات مختلفة، لكنها لا تفي بالغرض. وتقول: "أعتقد أن الحشرات تطورت أو تغيرت. هناك بعض الحشرات التي لم أعهدها من قبل، لكنني أصبحت أراها منذ سنوات قليلة. كما أرى أنواعاً مختلفة من الصراصير. حتى إن جيراني يلاحظون الأمر نفسه".
يختلف الحال في الأحياء الراقية عن تلك الشعبية أو الفقيرة. في الأولى، تقل الشكاوى من الحشرات بسبب طريقة بناء مساكنهم والصرف الصحي الجيد. وتتركز المعاناة في الأحياء الشعبية، التي لم تعمل الجهات الحكومية بعد على توفير الخدمات الأساسية فيها، ما جعل العيش فيها صعباً مع ارتفاع درجات الحرارة.
وسيمة فاضل (42 عاماً) يلازمها خوف قديم من الصراصير، وقد تُصاب بحالة هستيرية لدى رؤيتها صرصوراً. تقول لـ "العربي الجديد"، إنها تأخذ احتياطات عديدة لمنع دخول الصراصير إلى منزلها، ويعينها أولادها على ذلك أيضاً، مبينة أن "الصراصير بدت مختلفة منذ سنوات، وقد تغيرت أحجامها. أرتعب حين أرى صرصوراً بل أصرخ لا إرادياً وبصوت مرتفع".
إلى ذلك، يقول فارس الجيزاني، الذي يبيع الموادّ السامة ومبيدات الحشرات، إنّ "أسباباً عدة أدت إلى انتشار الحشرات، منها تقصير الجهات الحكومية". ويوضح لـ "العربي الجديد": "من الطبيعي أن تتكاثر الحشرات. في المقابل يفترض وجود دور حكومي يمنع هذا الانتشار كما في السابق"، مشيراً إلى أن "تراجع الأداء الحكومي يعدّ سبباً مباشراً لوجود أنواع متطورة من الحشرات". ويشرح أن لهذه الحشرات مواصفات مختلفة، وتحتاج إلى مبيدات مختلفة، علماً أن الحشرات الجديدة تصبح مقاومة للسموم نفسها التي كانت تقضي على تلك غير المتطورة".
الجيزاني يؤكّد أن "الدوائر الحكومية المعنيّة كانت تدرس سابقاً طبيعة الحشرات وتطورها، وتستورد المبيدات اللازمة للقضاء عليها. وعلى الرغم من أن هناك دراسات ومتابعة من قبل هذه الدوائر، ما من اهتمام حقيقي بالنتائج لعدم وجود رقابة صارمة تفرض على الجميع أداء واجبهم بالشكل الصحيح".
من جهته، يقول محمد البياتي وهو مهندس زراعي في أمانة بغداد، التي تعنى بتوفير الخدمات البلدية للعاصمة العراقية بغداد، إن "ظهور حشرات غير موجودة مسبقاً أمر طبيعي، ووجود الحشرات بأعداد أكبر من السابق أمر طبيعي أيضاً". البياتي لا يستخف بالأمر، بحسب قوله، لكنه يشير إلى وجود أسباب عديدة خارجة عن إرادة الجهات الحكومية المتخصصة، أدت إلى هذه النتيجة. يضيف لـ "العربي الجديد"، أن "الأمر يعود لأكثر من عقدين وليس وليد سنة أو سنتين"، موضحاً أن "الأمر متعلق بحالة صعبة عامة عاشها البلد، تمتد إلى فترة مرورنا بحرب مع إيران (1980- 1988)، ثم فترة الحصار (عقوبة أممية نتيجة غزو الكويت في عام 1990)، ثم الحرب التي أطاحت بنظام صدام حسين (2003)".
يضيف: "في هذه الفترات، بدأت الخدمات تقل ونوعيتها تنخفض، وهذه نتيجة طبيعية لمرور البلاد بأزمة أو حرب أو حصار"، مستطرداً: "في هذه الفترات، صار هناك العديد من الأحياء الجديدة لاستيعاب الزيادة السكانية. لكن في ظل ضعف الإمكانيات، وبسبب سياسات إدارية وتنفيذية خطأ، لم تزوّد غالبية الأحياء بالخدمات الأساسية، منها شبكات خاصة بمياه الأمطار والصرف الصحي".
ويلفت إلى أنّ "نقص الخدمات قد يؤدي إلى طفح بالمجاري وتكوين بحيرات من المياه نتيجة الأمطار، وهذه تعد بيئة لوجود وتكاثر الحشرات، بل تستقطب حشرات غير مألوفة، وتنتقل هذه الحشرات إلى أحياء أخرى قريبة قد تكون راقية، الأمر الذي أصبح يزعج السكان الذين لم يألفوا أنواعاً من الحشرات أصبحوا يرونها اليوم في مناطقهم".
الحل بحسب البياتي متوفر وبسيط، لكنه يتطلب دعماً مالياً كبيراً من قبل الدولة، وتضافر جهود مختلف المؤسسات الحكومية، ويتمثل بتأهيل البنى التحتية من جديد، لا في الأحياء الفقيرة فقط، بل حتى في تلك التي تمتاز بالخدمات الأساسية.