بدورها، أفادت الوكالة الوطنية للإعلام بأن الحريري اتصل بالرئيس ميشال عون واتفقا على إلغاء جلسة مجلس الوزراء، وأنه "تم البحث في الأوضاع الراهنة والإجراءات الواجب اتخاذها للمحافظة على الممتلكات العامة والخاصة، وإبقاء التظاهرات بإطارها السلمي".
وأشارت الوكالة إلى أن الرئيس عون يعقد "اجتماعات متواصلة بهذا الخصوص".
وتبقى الأنظار متجهة إلى المؤتمر الصحافي لرئيس الحكومة مساء اليوم، والذي بحث خيار استقالته جدياً مع بعض المحيطين به، وسط ضغط من قبل الحلفاء في ما كان يسمى بقوى "14 آذار"، وتحديداً من حزبي "القوات اللبنانية" و"التقدمي الاشتراكي"، لوضع "الفريق الآخر" أمام مسؤولياته، فيما تؤكد المعلومات أن الحريري لم يحسم حتى الساعة هذا الخيار.
وشلّت الحركة في العاصمة بيروت، وصولاً إلى المناطق والقرى النائية في الشمال والبقاع والجنوب، بعد ليلة احتجاجات صاخبة الخميس، تخللتها تظاهرات وقطع لكل الطرقات الرئيسية والفرعية في لبنان، في حركة عفوية احتجاجية ضد رفع الضرائب والحال الاقتصادية التي وصلت إليها البلاد، فيما لم يصدر بعد أي موقف رسمي عن رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة.
وبدا واضحاً منذ ليل أمس التخبّط السياسي في التعاطي مع الأزمة، وسط صمت مطبق للمسؤولين، باستثناء وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن، التي أوعزت إلى القوى الأمنية بعدم استخدام القوة المفرطة في مواجهة المحتجين، في خطوة عكست قلق الطبقة السياسية ومخاوفها من تطور الأمور ووصولها إلى نقطة اللاعودة.
وفاجأت التحركات التي خرجت في كل لبنان الحكومة اللبنانية والطبقة السياسية عموماً، خصوصاً أنها شملت كل المناطق اللبنانية، حتى تلك المحسوبة على "حزب الله"، وعبّر المحتجون عن سخطهم لما وصلت إليه الأمور، وكالوا الشتائم بحق الطبقة السياسية مجتمعة من دون استثناء، وصولاً إلى التعرض لمكاتب بعض النواب المحسوبين على "حزب الله" وحركة "أمل" في قرى ومدن الجنوب، وكذلك تمزيق صور رئيس الحكومة سعد الحريري في مدينة طرابلس الشمالية.
وصوّب المحتجون سخطهم ضد العهد ورئيس الجمهورية ميشال عون، وكذلك ضد رئيس "التيار الوطني الحر"، صهر الرئيس، جبران باسيل، والحكومة اللبنانية مجتمعة، إضافة إلى المجلس النيابي، متهمين إياهم بـ"الفساد وبالمسؤولية عما وصل إليه البلد"، رافعين شعار "حرامية".
ولم ينتهِ ليل لبنان الطويل مع ساعات الصباح الأولى، إذ بقيت أغلب الطرقات الرئيسية مقطوعة اليوم، كما شُلّت الحركة تماماً في المدن الرئيسية، وسط إغلاق للمدارس والجامعات والمصارف والمرافق العامة في الدولة، على الرغم من أن مطالب المحتجين لم تعرف بعد، بسبب عفوية التحرك، وعلى الرغم من رفع بعض الشعارات التي عبّر عنها المتظاهرون، ومنها استقالة الحكومة، إضافة إلى رفض فرض ضرائب جديدة.
ولم تعلّق معظم الأحزاب الرئيسية، باستثناء الحزب "التقدمي الاشتراكي" و"القوات اللبنانية"، ودعوتهما الحريري إلى الاستقالة، وسط ارتفاع الدعوات إلى تشكيل حكومة تكنوقراط مؤلفة من كفاءات لإدارة البلاد في هذه المرحلة.
ورصدت في الساعات الماضية منذ انفجار الأوضاع محاولات للتنصل من المسؤولية من قبل بعض الأحزاب، منها "القوات" و"الاشتراكي" بوصف البلد خاضعاً لثنائية "حزب الله" – "التيار الوطني الحر"، فيما حاول "حزب الله" بدوره التأكيد في مناطقه وللمحتجين أنه لم يوافق على رفع الضرائب.
دعم ودعوات للاستقالة
وقال 3 رؤساء حكومة سابقين في لبنان، الجمعة، إن هناك "غضبا شعبيا نتفهمه" بالبلاد و"أزمة سياسية" تلوح في الأفق، مؤكدين دعمهم لرئيس الوزراء سعد الحريري في ما اعتبروه "محنة"، ورافضين "التصعيد" من جانب مشاركين بالحكومة.
جاء ذلك في بيان مشترك لكل من فؤاد السنيورة (19 يوليو/تموز 2005 – 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2009)، ونجيب ميقاتي (13 يونيو/حزيران 2011 – 22 مارس/آذار 2013)، وتمام سلام (15 فبراير/شباط 2014 – 18 ديسمبر/كانون الأول 2016).
وأقر الرؤساء السابقون الثلاثة للحكومة بأن "لبنان دخل منعطفا دقيقا في ظل أزمة سياسية تلوح في الأفق". وأكدوا أن هناك "غضبا شعبيا نتفهمه، نتيجة الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي يعيشها الوطن واللبنانيون"، بحسب ما أوردت وكالة "الأناضول".
وتحدثوا عن أن "ما يجري سبقته مواقف تصعيدية لفرقاء كانوا ولا يزالون مشاركين أساسيين في السلطة منذ وقت طويل"، دون تسمية أحد. غير أن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، المشارك بالحكومة بـ4 وزراء، دعا حكومة الحريري للاستقالة، نظرا "لفشلها الذريع في وقف تدهور الأوضاع الاقتصادية".
وقال السنيورة، وميقاتي، وسلام، إن "هؤلاء (لم يسموهم)، رفعوا سقف المواجهة بالتحريض المباشر على قلب الطاولة على الجميع". وأكدوا أن "وضع المسألة كلها على عاتق الحريري (..) نهج متكرر لفرض تجاوزات دستورية". وأطلقوا 3 بنود، أولها "التفهم المطلق للتحرك الشعبي والدعوة للحفاظ على سلمية التحرك"، والثاني "مناشدة جميع القيادات السياسية عدم إطلاق مواقف تصعيدية وانفعالية لا طائل منها". وحمل البند الثالث التضامن مع الحريري "في هذه المحنة والوقوف إلى جانبه".
وقال البيان المشترك "صحيح أن الحريري هو رئيس السلطة التنفيذية إلا أن مشاركة غالبية الأطراف في الحكومة، تفرض عليها أدبيا وسياسيا ووطنيا المشاركة في البحث عن حل". ودعوا للعودة إلى "أحكام الدستور لجهة الصلاحيات والمهام، وعدم القفز فوقها لفرض نهج وأحجام سياسية لا تتلاءم مع الدستور وروحيته، وتشكل تعديا صارخا عليها".
وأكدوا أن "أفق الحل ليس مقفلا، فليتعاون الجميع على ملاقاة صرخة الناس المحقة بخطوات تنفيذية سريعة تمهيدا لاستكمال البحث في ما يجب القيام به".
إلى ذلك، دعا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الجمعة، إلى التظاهر "السلمي". وتوجّه عبر حسابه على "تويتر" إلى أعضاء حزبه ومناصريه بالدعوة إلى التظاهر "الهادئ السلمي ضد هذا العهد الذي خرّب كل شيء، واستأثر بكل شيء". وأضاف: "نتحرك في مناطقنا لعدم خلق حساسيات".
Twitter Post
|
وقال جنبلاط "يحاول العهد من خلال رجله القوي (في إشارة لصهر الرئيس، وزير الخارجية جبران باسيل) أن يرمي المسؤولية على الغير، وهو الذي عطل كل المبادرات الإصلاحية الممكنة وحرّض عليها مستخدما كل الوسائل". ويشار بـ"العهد" في لبنان إلى فترة حكم رئيس الجمهورية، وقد انتخب الرئيس الحالي ميشال عون عام 2016، ويستمر في الحكم 6 سنوات.
ودعا جنبلاط، في تغريدة أخرى، من وصفهم بـ"الرفاق والمناصرين" إلى رفع العلم اللبناني إلى جانب علم الحزب، موجها التحية لـ"مسيرتكم السلمية".
Twitter Post
|
ورغم أن الحكومة اللبنانية هي حكومة وحدة تضم معظم الأطراف السياسية في البلاد، بينها أحزاب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل والقوات اللبنانية، إلا أن الغلبة العددية فيها لتحالف حزب الله والتيار الوطني الحر والشخصيات المقربة من النظام السوري. والخميس، قال جنبلاط إنه اتصل برئيس الحكومة سعد الحريري واقترح عليه ان يستقيلا "معاً" من الحكومة.
وعلى صعيد متصل، أطلق مرافقو الوزير اللبناني أكرم شهيب النار على متظاهرين في وسط بيروت، بعد هتافهم ضده: "حرامي".Twitter Post
|