خرج الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله في لبنان إلى العلن، من دون الحاجة إلى ترتيبات أمنية ورعايات وأرضيات خاصة منزوعة الألغام السياسية. تحوّل هذا الحوار إلى قول وردّ من على المنابر، إذ شاءت الظروف أن يجمع منتصف فبراير/شباط الجاري مناسبتين سياسيّتين أساسيّتين عند الطرفين. أحيا المستقبل الذكرى العاشرة لاغتيال مؤسسه، رفيق الحريري، في 14 الجاري. أما الحزب فأحيا "يوم القادة الشهداء"، بعد يومين، في ذكرى القائد العسكري فيه عماد مغنية والأمين العام الأسبق عباس الموسوي وأحد مؤسسيه راغب حرب.
حملت المناسبتان عنوان الحوار مع الطرف الآخر، وتضمّنت تأكيد السير فيه، ولو أنّ الطرفين لم يعدّلا أي تفصيل في مواقفهما من القضايا الأساسية المختلفة، بنبرات متفاوتة ولهجات حادة. أطلّ رئيس المستقبل، سعد الحريري، يوم السبت من بيروت بعد طول غياب عنها (غادرها في
مواجهة "الإرهاب"
أخرج الحريري من جعبته كل الهواجس والملاحظات والتجاوزات التي ارتكبها الحزب منذ عشر سنوات، بدءاً من التدخّل العسكري في سورية، وصولاً إلى تعميم الحزب لسياسة السلاح غير الشرعي من خلال ظاهرة "سرايا المقاومة" (أو المليشيات التي يموّلها حزب الله في المناطق اللبنانية)، مروراً بعرقلة سير المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الموكلة إحقاق العدالة في جريمة اغتيال رفيق الحريري. أما الردّ فجاء مباشرة من نصر الله الذي قال: "لمن يدعونا للانسحاب من سورية نقول فلنذهب سوياً إلى سورية والعراق وإلى كل مكان يوجد فيه الإرهاب، لنواجه هذا التهديد". اجتمع الرجلان على "مواجهة الإرهاب"، كعنوان إضافي لحوارهما، وتفاهما ولو اختلفت قراءة كل منهما. فإذا كان الحريري قد أكد تمسكه بالجيش اللبناني
يبرز وضع نصر الله جميع المجموعات السورية المقاتلة بوجه النظام في خانة واحدة في محور التشدّد، طالباً من مؤيدي الثورة السورية شرح "الفرق بين جبهة النصرة وداعش، وكيف تكون داعش إرهابية وتكون جبهة النصرة ثواراً". في ردّ واضح على بعض مسؤولي المستقبل الذين لا يزالون يحيّدون "النصرة" عن اللوائح الرسمية للإرهاب.
تهدئة إجبارية
ما من ملف داخلي وخارجي يجمع حزب الله بتيار المستقبل بشكل قاطع وحاسم. قد يتفّق الطرفان على العناوين ويختلفان في الجوهر، وهو تماماً ما يحصل مثلاً في شغور رئاسة الجمهورية. يدعو الحريري إلى وقف تعطيل الانتخابات الرئاسية بسبب "العناد السياسي" (إصرار حليف حزب الله، النائب ميشال عون، على انتخابه رئيساً للجمهورية)، في حين يطلب نصر الله "عدم انتظار المتغيرات في المنطقة والخارج، لنعاود الجهد الداخلي لإنهاء هذه المسألة". ليعود ويدعو "بعض الدول الخليجيّة إلى رفع الفيتو عن انتخاب رئيس للبنان". كذلك هذه الحال في انتقاد الحريري لتدخل الحزب في الشؤون العراقية والبحرينية وردّ الحزب في إطار مواجهة "الإرهاب"، ليمتدّ السجال إلى ما لا نهاية بانتظار كلمات السرّ المناسبة من زعماء المنطقة والدول.
وفق ما تقدّم، يبدو التعايش بين المستقبل وحزب الله مستحيلاً. إلا أنّ الطرفين بحاجة إلى طاولة تجمعها في هذه المرحلة، لكي يحدّ كل منهما من خسائره. ليس بمقدور المستقبل مواجهة الحزب في لبنان، لا في الأمن ولا في العسكر وكذلك في السياسة، باعتبار أنّ الحزب هو الذي يعطّل المؤسسات، ولا أساليب دستورية أو قانونية للوقوف بوجهه. في المقابل، لا يبحث حزب الله عن فتح معركة جديدة في قاعدته السياسية والتنظيمية والشعبية. تكفيه الجبهات المختلفة في الداخل السوري وفي العراق (الذي اعترف نصر الله بالمشاركة العسكرية في بغداد). كما أنّ مشاركته في حوار مماثل مع خصمه السياسي والمذهبي الداخلي، من شأنه تقديم الحزب لدى الغرب كطرف قادر مواجهة "الإرهاب" والتواصل مع "الإسلام المعتدل" في آن. وبعد عامين من القتال الصريح والمدمّر والحاسم في سورية، بات بإمكان نصر الله أن ينتقل من دعوة الجميع إلى المواجهة في سورية (إذ قال في مايو/أيار 2013 "فلنحيّد لبنان وتعالوا نتقاتل في سورية")، إلى دعوة الجميع إلى المشاركة في الحرب السورية تحت عنوان "مواجهة الإرهاب" أو "الحرب على داعش". فيبحث عن غطاء لخوضه الحرب إلى جانب النظام، في حين من شأن موقف مماثل أن يكشف أنّ الحزب عاجز عن متابعة هذه المعركة وحيداً.