فتحت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ملف الخلافات بين واشنطن وطهران على مصراعيه مع الإعلان عن بدئها عملية مراجعة شاملة وإعادة نظر بالاتفاق النووي مع إيران في مهلة أقصاها 90 يوماً، يحدد بعدها ترامب خياراته واستراتيجيته في العلاقات معها. فهل يفي بوعوده الانتخابية ويصدر أمراً تنفيذياً بإلغاء الاتفاق النووي الإيراني؟ أم سيعلن الالتزام ببنود الاتفاق الذي اعتبره يوماً "أسوأ اتفاق" وقعت عليه الولايات المتحدة؟ وهل أمام طهران، في المقابل، خيارات أخرى غير الجلوس على طاولة التفاوض مع الأميركيين؟ وماذا تعني موافقتها على إعادة التفاوض والبحث في التعديلات التي تطالب بها الإدارة الأميركية الجديدة؟
وقدمت مرافعة تيلرسون صورة قاتمة عن ملف الخلافات الأميركية الإيرانية، ظهرت فيها إيران على أنها الخطر الأكبر الذي يهدد مصالح الولايات المتحدة وأمنها القومي والاستراتيجي. وتعمّد وزير الخارجية الأميركي المماثلة بين إيران وكوريا الشمالية والإشارة إلى سلوك طهران نفس طريق بيونغ يانغ من أجل حيازة السلاح النووي. وفي هذا الربط بين الملفات وتحديد سلم الأولويات بالنسبة للسياسة الخارجية لإدارة ترامب، توضيح لمعالم الاستراتيجية الأميركية الجديدة. فقد اكتمل قوس المواجهة الذي رسمته التحركات العسكرية الأميركية بدءاً من الضربة الصاروخية على مطار الشعيرات في سورية، رداً على استخدام نظام بشار الأسد للأسلحة الكيميائية في خان شيخون، إلى إلقاء "أم القنابل" على أنفاق وتحصينات لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في جبال أفغانستان، وصولاً إلى إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة لمواجهة تهديدات بيونغ يانغ ضد سيول وطوكيو.
ومع ربط المواجهة المحتملة في شبه الجزيرة الكورية بالتهديدات الإيرانية في شبه الجزيرة العربية، وقبل ذلك الرسائل الأميركية العسكرية الموجهة إلى كل من روسيا وكوريا الشمالية، من خلال قصف سورية بصواريخ "توماهوك" ورمزية "أم القنابل" في أفغانستان، تكون المعالم الرئيسية للسياسة الخارجية لإدارة ترامب قد تبلورت. ومن نقاط ارتكاز الاستراتيجية الجديدة التخلي عما يعرف بسياسة "الصبر الاستراتيجي" التي اعتمدتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، والتي أثبتت فشلها، فضلاً عن المسارعة إلى تفعيل الخيار العسكري الأميركي وتوظيفه لحماية مصالح واشنطن وراء البحار.
وقد لا يكون من قبيل المصادفة أن تأتي مرافعة وزير الخارجية الأميركي ضد إيران بعد ساعات قليلة من إلقائه كلمة في غرفة التجارة في واشنطن أمام مجموعة من رجال الأعمال السعوديين. وقد شدد تيلرسون، في خطابه، على تعميق الشراكة الاقتصادية الأميركية السعودية وتطوير العلاقات الثنائية مع الرياض في كافة المجالات. وقد تناول تيلرسون بشكل محدد دور الاستثمارات والشركات الأميركية في تنفيذ الخطة الاقتصادية الإصلاحية التي تنوي المملكة تطبيقها.
هذا التقارب الأميركي مع السعودية عبّرت عنه أيضاً زيارة وزير الدفاع، جيمس ماتيس، للرياض أخيراً، والتحذيرات التي أطلقها من هناك عن الاستفزازات الإيرانية ودور طهران العدواني في اليمن والصواريخ التي تزود بها المليشيات الحوثية بهدف زعزعة الاستقرار في منطقة الخليج.