بات واضحاً لمتابع التطورات في اليمن، أن حرب التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، توجهت منذ أسابيع، نحو محور أساسي يتمثل في محافظتي صعدة وحجة الحدوديتين، مع بقاء الضربات الجوية، بوتيرة شبه يومية في صنعاء وتعز، ولكن بدرجة أقل، مما هو الوضع قرب الحدود. وينطوي هذا المشهد على دلالات وأبعاد عسكرية وسياسية عدة، لكن يدفع ثمنه سكان المناطق المتضررة من الحرب، أصلاً، منذ ما يقرب من ثلاث سنوات.
وتفيد مصادر تابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) وحلفائهم وأخرى محلية، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن التحالف نفذ خلال الأسابيع الأخيرة مئات الضربات الجوية، أغلبها في محافظتي صعدة وحجة، في ظل معلومات متضاربة حول الخسائر الناجمة عن الضربات والمواجهات عموماً قرب المناطق الحدودية، مع إعلان مصادر تابعة للقوات اليمنية الموالية للشرعية، عن سقوط العشرات من الحوثيين وحلفائهم بين قتيل وجريح، بينهم قيادات. كما يسقط ضحايا من القوات السعودية واليمنية الموالية للشرعية.
وتركز الغارات في الغالب، على مديريات محافظة صعدة الحدودية، بما في ذلك باقم وكتاف والظاهر، وغيرها من المديريات، التي تعتبر مناطق مواجهات متقطعة، ترتفع وتيرتها بين حين وآخر، منذ ما يقرب من عامين ونصف العام. وينطلق الحوثيون وحلفاؤهم من الموالين لعلي عبدالله صالح، من خلالها بهجمات ومحاولات تقدم باتجاه الجانب السعودي. بالإضافة إلى ذلك، توسعت الحرب منذ ما يقرب من عام مع استقدام قوات يمنية موالية للشرعية من جهة السعودية تقدمت عبر محورين حدوديين مع صعدة وهما البقع وعلب.
وتكتسب صعدة أهمية استثنائية ومحورية في الحرب باليمن للعديد من الاعتبارات، أبرزها أنها المعقل الأول للحوثيين، وهي أقرب إلى كونها منطقة نفوذ شبه مغلقة لصالح الجماعة، كما أنها مركز الجماعة ويتواجد فيها زعيمها، عبدالملك الحوثي. وهي المحافظة التي خاضت فيها الجماعة ست حروب مع الحكومة بين عامي 2004 و2010، ودخلت في الحرب الأخيرة بينها السعودية عام 2009.
وبالإضافة إلى كونها معقل الحوثيين ومركزهم العسكري، فإن ما يرفع هذه الأهمية استراتيجياً هو موقعها الحدودي مع السعودية، إذ ترتبط صعدة بحدود لا تخلو من التضاريس الوعرة مع ثلاث مناطق سعودية وهي نجران وعسير وجيزان، وعلى حدودها جرت أغلب المواجهات بين الحوثيين والقوات السعودية منذ ما يزيد على عامين.
وإلى جانب صعدة، تأتي محافظة حجة المحاذية لها من الغرب تالياً لجهة الأهمية العسكرية والسياسية. وتتركز في حجة أعداد كبيرة من الغارات الجوية في الأسابيع الأخيرة، وتحديداً في منطقتي حرض وميدي أبرز مناطق المحافظة الاستراتيجية.
وتفيد مصادر محلية في حجة لـ"العربي الجديد"، بأن هاتين المديريتين (حرض وميدي) دمرتا بشكل كبير جراء المعارك والغارات الجوية المكثفة منذ ما يقرب من عامين. وتبرز أهمية حجة (وعلى نحو خاص حرض وميدي)، نظراً لأنها أهم ما تبقى من المناطق اليمنية الحدودية التي يسيطر عليها الحوثيون، بالإضافة إلى كونها منطقة ساحلية (مديرية ميدي) وفيها ميناء مطل على البحر الأحمر هو الأقرب جغرافياً إلى معاقل الحوثيين في صعدة.
ومع توجه الغارات أو الحرب، بشكل أساسي، نحو مناطق الحدود، فإن ذلك يكتسب العديد من الدلالات، وفي مقدمتها أن الرياض وبعد أكثر من عامين ونصف العام على حربها في اليمن، لا تزال تواجه تهديداً منطلقاً من المناطق الأقرب إليها، على الرغم من الآلاف بل عشرات الآلاف من الضربات الجوية. كما تسير هذه التطورات إلى توجه استراتيجية التحالف نحو المناطق المرتبطة بأمن السعودية، كأولوية، يأتي بعدها بالدرجة الثانية، العمليات التي تستهدف المواقع المفترضة للحوثيين وحلفائهم الموالين لعلي عبدالله صالح بقية المحافظات، وجبهات المواجهة بينهم وبين القوات الموالية للشرعية.
يذكر أن مناطق الحدود الشمالية الغربية بالنسبة لليمن، وتحديداً صعدة وحجة، تعتبر من بين الأكثر تضرراً من الحرب الدائرة باليمن. فمحافظة صعدة على سبيل المثال، كانت تعاني آثار الحروب بين الحكومة والحوثيين، قبل أن تتعرض منذ ما يقرب من عامين ونصف العام لآلاف الضربات الجوية، فضلاً عن القصف المدفعي والصاروخي من قبل القوات السعودية في المناطق الحدودية.
ويربط بعض المتابعين تركيز عمليات التحالف في المناطق القريبة من الحدود بمساعي السعودية إلى إيجاد منطقة عازلة في حدودها مع اليمن، وهو الأمر الذي سبق أن تحدث عنه محللون سعوديون. لكن تحقيق هذا الأمر قد يظل صعباً في ظل التحديات التي تفرضها التضاريس الجبلية والكثافة السكانية في المناطق القريبة من الحدود، والتي نزح الغالبية من سكانها بسبب الحرب.