الحرب في سورية: قنابل الضحك

14 نوفمبر 2016
(سورية بعد المطر، تصوير: نذير الخطيب)
+ الخط -
من الطبيعي أن يتعمّق الإحساس بالسعادة في بديهيات الحياة، عندما يكون الموت والهروب هو محيط الإنسان، فكيف إن كانت تلك الفترة قد طال أمدها، كما ما يحدث اليوم مع السوريين.

المنطقي في هذه الحالة، هو البحث الجاد بشكل غير مُدرك لدى الإنسان عن تلك اللحظات، فالسوريون باتوا يغتنمون لحظات الفرح والسعادة بشكل غير مباشر للتعبير عنها، حتى باتوا يطلقون وابلاً من الكلمات الساخرة على الموت، ربّما لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يستطيعون بها هزيمة الموت، الذي بات مرافقًا لهم منذ أكثر من خمس سنوات.

عودة الكهرباء مثلًا، هي سبب كافٍ لمنح السوريين طاقة فرح خيالية، فلم يكن من الغريب سماع أصوات الزغاريد والرقص عند الساعة الثالثة من بعد منتصف الليل. فعودة الكهرباء توقظهم من نومهم الشكلي، يسرعون لإشعال التلفاز، ومن الممكن جدًا أن يبدؤوا السهرة في هذا التوقيت المتأخّر، والغريب، أن هذه اللحظات أصبحت لا تفوّت عند السوريين.

ليست فقط الكهرباء، فحتى عودة الماء أيضًا؛ فالفرحة تكتمل عند عودة المياه والكهرباء في الوقت نفسه ، هنا، تبدأ موجات الفرح الهيستيرية، فحمام ساخن، ولباس نظيف، ومكوي، وربما شعر مجفف - حتى وإن كان الوقت غير مناسب للخروج من المنزل - كافٍ لإعطائهم شعورًا لا يوصف. طبعًا سعادة الأم هنا تختلف، فغسيل الأطباق، وتنظيف الأرض، وربما "التعزيل" بالتزامن مع شروق الشمس، كافية لإعطاء الأم السورية لحظات فرح غابت عنها منذ أيّام طفولتها.

عودة الإنترنت عقب انقطاعها، تزامنًا مع عودة الكهرباء والماء، أشبه بمعجزة تحقّقت، فالتواصل مع صديق أو قريب بعد انقطاع لأكثر من شهر، يعني العيش على ذكريات تلك المكالمة، أما شعور السخط والغضب، فهو النوم أثناء عودة هذه "المعجزة".

بالطبع ليست هذه هي لحظات الفرح الوحيدة؛ فربّما يقع السوري على فيديو يظهر قذيفة أطلقتها قوات النظام وعادت إليهم بسبب خطأ فني وأصابتهم، فيصبح هذا المشهد مضحكًا، وربما كان ناتجاً عن اختلاط واضح بمشاعر كره القاتل وضمور بعضها، حيث أصبح موت مقاتلي النظام أو معارضين مدنيين أمراً مضحكاً لدى بعضهم. أمر غريب لكنه واقعهم.

التصريحات السياسية والعسكرية الصادرة من قادة دول العالم، وقادة النظام السوري، باتت تثير سخرية كثير من السوريين، فمثلاً كثير منهم لم يكونوا يعرفون من هو "النمر"، رغم سمعته العسكرية السيئة، إلّا أن وابل السخرية الذي طاوله بسبب تصريحاته غير المتوازنة، كانت كافية لشهرته، كما أن تصريحات بشار الأسد، باتت مسلية لفئات واسعة من السوريين، فعند عودة الكهرباء والإنترنت، يتسارع أفراد العائلة للتجمهر حول حاسوب المنزل، بهدف مشاهدة حلقة أخرى من تصريحات "النمر" "والأسد" الجديدة، أو ربما سماع كلمة للرئيس الأميركي وهو يقول: "أيام الأسد باتت معدودة"، أو تأكيد الرئيس الروسي على شرعية الأسد بحجة انتخابه من قبل الشعب السوري.

تناول وجبة طعام في المناطق المحاصرة كاف لأن يجعل شعور الفرح طاغياً في منازلها، فهي وليمة شهية مهما بلغت بساطتها، شعور الشبع كافٍ أيضًا لتعميق إحساس السعادة، وتعديل معنويات المزاج، وربما الاحتفال بطرقهم الخاصة، وفي حال كانت تلك الوجبة ساخنة، فإن ذلك يعني أن الفرح لديهم شعور لا يوصف.

رؤية الأصدقاء أو الأهل، أو التجمعّ حول مدفأة المازوت، شرب مياه باردة في الصيف، إحضار الخبز طازجاً وساخناً من الأفران، تدخين سيجارة من النوع المفضل، الإضاءة في البيوت ودرج العمارة، سماع صوت جرس المنزل، ومئات التفاصيل الأخرى، كافية لأن تحوّل حزن وموت السوريين البطيء إلى لحظات سعادة حقيقة نابعة من القلب، كافية لتمنحهم القوة للتغلب على ضمور مشاعرهم، كافية لتجعلهم مجانين وغريبي أطوار القرن الواحد والعشرين، يبتسمون في وجه الموت ويسخرون من تهديداته.



المساهمون