الحرب النفطية تشتعل عالمياً؟

01 فبراير 2016
(Getty)
+ الخط -
كان لانهيار أسعار النفط التأثير المدمر على منتجي النفط الرئيسيين في العالم، فهو ليس مجرد احتساب نقطة التعادل التي عندها تكون تكلفة إنتاج النفط الخام وإيرادات بيعه متساوية، ولكن في بلوغ سعر البرميل المستوى المطلوب لتمويل ميزانيات دول نفطية كبرى أصبحت تعاني من عجز مريب قد يتسبب في زيادة عدم الاستقرار العالمي.
في الواقع، ميزانيات جميع منتجي النفط الكبار تستدعي ارتفاع سعر النفط إلى 85 دولاراً، على الأقل، من أجل الوصول إلى نقطة التعادل فقط. بل إن دولا أخرى، مثل روسيا، تحتاج إلى سعر 100 دولار للبرميل.
علاوة على ذلك، لعب تراجع أسعار النفط في عام 2015 دوراً كبيراً في إشعال الهجرة الجماعية الاقتصادية من منتجي النفط الأفارقة، مثل نيجيريا، التي بحاجة لوصول سعر النفط إلى 115 دولاراً لتحقيق التوازن في ميزانياتها.
أولاً، تواجه روسيا أزمة اقتصادية خانقة جراء تراجع أسعار النفط، فهي بحاجة إلى أن يصل سعر النفط إلى 105 دولارات، تقريباً، لتحقيق التوازن في موازنتها، إذ إن روسيا تخسر نحو ملياري دولار من إيراداتها الإجمالية لكل دولار يقل عن 105 دولارات للبرميل الواحد. ومع تداول النفط الخام حالياً حول مستويات قريبة من الـ 30 دولاراً، يعني ذلك فقدان روسيا لعائدات ضخمة تزيد عن 150 مليار دولار سنوياً، وهو ما أغرق، فعلاً، الاقتصاد الروسي في حالة من الركود الشديد طيلة العام الماضي.
في الواقع، أن الوضع الاقتصادي في روسيا من المرجح أن يزداد سوءاً خلال هذا العام مع وجود مؤشرات قوية بأن احتياطاتها من العملات الأجنبية قد تتبخر تماما قبل نهاية العام. ولا يمكن استبعاد فرضية تعرض روسيا لعاصفة من الاحتجاجات إذا فشلت أسعار النفط في التعافي أو واصلت تراجعاتها إلى ما دون العشرين دولاراً، وهو سعر التعادل لنفطها المنتج. ما قد يدفع روسيا إلى تصعيد أزمتها مع أوكرانيا وربما الدخول في حرب عسكرية هوجاء.
ثانياً، رغم أن التباطؤ الاقتصادي في الصين هو أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انهيار أسعار النفط وأسواق الأسهم العالمية، كونها أكبر مستورد للنفط في العالم، إلا أن الكثيرين يجهلون حقيقة أن الصين هي أيضاً رابع أكبر منتج للنفط في العالم، وجل ما تنتجه من النفط مخصص للاستهلاك المحلي لسد حاجاتها المتنامية من الطاقة.
بعبارة أخرى، صحيح أن انخفاض أسعار النفط يساعد في دعم الاقتصاد الصيني، لكن انخفاضه بشكل حاد يتسبب في إلحاق الضرر بالمنتجين وشركات التكرير الصينية تماماً كما يلحق الضرر بشركات النفط الغربية غير النفطية. لذلك، بالنسبة لدولة منتجة ومستوردة للنفط، مثل الصين، فإن أي سعر دون الـ 40 دولاراً سيجعل الأضرار، جراء تهاوي أسعار النفط، تتجاوز مكاسب الاقتصاد الصيني.
علاوة على ذلك، من شأن الضعف الاقتصادي الحاصل في الصين زيادة حالة عدم استقرار الأمن الإقليمي في شرق آسيا، ومن المرجح أيضاً أن يشجع الإمبراطورية الصينية، المدعومة بأسطول حديث من حاملات الطائرات، لمواصلة فرض هيمنتها على المنطقة الآسيوية.
ثالثاً، ذوبان جليد العلاقات الإيرانية الأميركية ينطوي على زيادة في المعروض تقدر بمليون برميل من النفط الإيراني، حيث تمتلك إيران رابع أكبر احتياطي في العالم من النفط وثاني أكبر احتياطي من الغاز. من شأن الإمدادات الإضافية فرض المزيد من الضغوط على أسعار النفط، وقد يتسبب بمزيد من التراجعات عند مستويات أقل بكثير من مستوى الـ 72 دولاراً، وهو الحد الأدنى المطلوب لتغطية الإنفاق الحكومي الإيراني. انخفاض أسعار النفط المستمر دون المستويات اللازمة لتمويل ميزانيات كبار الدول المنتجة للنفط يعني أن شيئاً ما كبيرا قد يحدث، فالاتجاه الحالي، مثلاً، هو نحو تصعيد الصراع بين السعودية وإيران.
رابعاً، أصيب أولئك الذين انتظروا قيام السعودية بتخفيض إنتاجها بخيبة أمل كبيرة، إذ، عوضاً عن ذلك، قامت السعودية برفع إنتاجها إلى 10.5 ملايين برميل يومياً مقارنة بـ 9.5 ملايين برميل العام الماضي، ما ساهم بزيادة تخمة المعروض من النفط الخام في أسواق الطاقة العالمية كجزء من حربها على صناعة النفط الأميركية التي تعتمد على تقنية مكلفة في استخلاص النفط من الصخر الزيتي. مع ذلك، لا تعتبر السعودية محصنة من عواقب انهيار أسعار النفط مع قيامها بسحب أموال من صناديق الثروة التي تمتلكها وبمعدل يتجاوز 90 مليون دولار سنوياً وبالتزامن مع تراجع حاد لقيم صادراتها من النفط التي تشكل نحو 89% من عائدات الدولة.
(خبير اقتصادي أردني)
المساهمون