تأتي هذه المعركة بموازاة الاستعدادات لجولة جديدة من محادثات فيينا السورية، ولقاءات قمة مكثفة تمهّد لها، أبرزها اللقاء المرتقب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والملك الأردني عبدالله يوم الثلاثاء المقبل، على أن يسبقه لقاء مهم في طهران بين بوتين والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي.
اقرأ أيضاً: مفاوضات تحديد هوية المعارضة السورية "المقبولة": من هو الإرهابي؟
وركّزت قوات النظام في بداية الحملة العسكرية التي شنّتها مدعومة بغطاء جوي روسي قبل نحو شهر، على محورين لاختراق صفوف المعارضة، يبدأ الأول في السيطرة على مدينة سلمى التابعة لجبل الأكراد أبرز معاقل قوات المعارضة، وهي من أولى المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام في الساحل. وتبعد البلدة عن مدينة اللاذقية نحو 48 كيلومتراً، وترتفع عن سطح البحر 850 متراً.
وركزت في المحور الثاني في السيطرة على تلال جب الأحمر شرقي سلمى، لفتح الطريق باتجاه بلدة السرمانية في سهل الغاب، وبالتالي حماية المعقل العسكري الأبرز للنظام المتمثل بمعسكر جورين، ومنع فصائل المعارضة من الوصول إليه. وفتح معركة بعد ذلك في مدينة جسر الشغور، فضلاً عن تحول هذه التلال لمركز للقصف على معظم مناطق سهل الغاب وجبل الأكراد.
وبعد نحو شهر على المعارك، وإظهار قوات المعارضة صلابة في الدفاع عن مناطقها، أدركت قوات النظام أن فتحها لمعركتين كبيرتين لن يؤتي ثماره، فعمدت إلى استراتيجية التقدّم البطيء، فحولت هدفها عن مدينة سلمى، إلى قرية غمام القريبة من أوتوستراد اللاذقية حلب، ونجحت بعد معارك كر وفر في تثبيت مواقعها في القرية.
واتجهت قوات النظام بعد ذلك إلى ضمان قرى الدغمشلية وزويك ودير حنّا، بهدف الوصول إلى الهدف الاستراتيجي الأبرز المتمثل ببرج القصب، والذي يبعد عنها عنه مسافة 2 كيلومتر. ويفصل البرج جبل الأكراد عن التركمان، ويكشف مساحات واسعة تصل إلى بلدة الناجية في ريف إدلب الغربي، إضافة إلى سهولة السيطرة على بلدة سلمى بعد ذلك، وبالتزامن، وفي الاستراتيجية ذاتها اتجه النظام إلى السيطرة على نقاط صغيرة في تلال جب الأحمر، حيث نجح في السيطرة على أربعة مواقع هناك.
وقال أبو حمزة، وهو مقاتل في الفرقة الساحلية الأولى التابعة لـ"الجيش السوري الحر" لـ"العربي الجديد" إن "النظام يركز على جب الأحمر لأنه يهدف إلى السيطرة على تلال مرتفعة عبر استراتيجية التقدم البطيء، والذي يطلق عليها هو دبيب النمل، لأن التلال تكشف المواقع أمامه".
لكن، ومنذ يومين، بدأ تصعيد كبير لقوات النظام بعد الاستراتيجية البطيئة خلال الأسبوع الماضي، بحيث فتحت محوراً جديداً في جبال التركمان قريباً من الحدود السورية التركية، لتسيطر على نبع المر وقرية عفريت وتلة العزر، في مسعى على ما يبدو لتطويق الساحل السوري من الجهتين الشرقية والشمالية.
ويصف نشطاء المعارضة الوضع هناك بـ "السيئ"، مشيرين إلى أن "القصف هو الأعنف من نوعه على جبلي الأكراد والتركمان؛ فالطيران الروسي لا يهدأ، وحديثاً يتعرض الجبل إلى قصف بصواريخ من طراز كروز الروسية، بالتزامن مع قصف براجمات الصواريخ، وصواريخ أخرى نوع فيل، وهذا يعقّد من مهمة المقاتلين".
ونبّه الناشط الإعلامي سليم العمر إلى أن "القصف العنيف الذي تتعرض له المنطقة لم تشهده سابقاً"، مبيّناً لـ"العربي الجديد" أن "معظم مقاتلي المعارضة يموتون جراء القصف وليس نتيجة العمليات العسكرية، والأمر مرشح لمزيد من السوء خلال الساعات المقبلة إذا لم تصل فصائل أخرى أو توجد طريقة جديدة لوقف تقدم النظام".
ويبدو أن قوات النظام تسعى إلى حسم المعركة في الساحل قبل الشروع بوقف إطلاق النار، تفادياً لتكرار سيناريو الغوطة الشرقية بريف دمشق، بعد تسرّب أنباء عديدة عن التوصل إلى هدنة "حسن نية" لوقف إطلاق النار يستمر لمدة خمسة عشر يوماً بضغط روسي، قبل أن تقصف قوات النظام مدينة دوما من جديد.
وكان وزير الخارجية الأميركية جون كيري قد أكد بعد لقاء فيينا الثالث قبل أسبوع أن الدول المشاركة اتفقت على اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتطبيق وقف إطلاق النار في سورية، الأمر الذي وافقت عليه الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، في حين قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في لقاء صحافي على هامش فيينا إنه "تم الاتفاق على إعداد قائمة بالمنظمات "الإرهابية" التي سيجري استثناؤها من عمليات وقف إطلاق النار".
على أن قوات المعارضة السورية لا تقف موقف المتفرج من الهجوم الجوي والبري العنيف، ويبدو عضو الهيئة العامة للثورة في الساحل مجدي أبو ريان متفائلاً رغم الخسائر المتوالية، اذ أكد لـ"العربي الجديد" أن "قوات المعارضة استعادت أخيراً السيطرة على تلة العزر في جبال التركمان، وهذا سيوقف تقدّم النظام باتجاه برج الزاهية، والمؤازرات وصلت إلى فصائل المعارضة، والعمليات العسكرية لاستعادة النقاط التي خسرناها بدأت، وهناك بشائر اليوم وغداً".
وأوضح أبو ريان أن "النظام يريد حماية الساحل وفتح طريق الأوتوستراد بين اللاذقية وحلب، وهو يسارع الخطى قبل تطبيق نتائج لقاء فيينا الثالث، فالمنطقة التي تؤخذ من النظام محسوبة عليه".
اقرأ أيضاً: قصف اللاذقية عشية فيينا... والنظام يحاول فصل الأكراد والتركمان