الحذاء العربي.. في الثورات والانتصارات والحبّ والشعر والكرتون

22 اغسطس 2014
عبادة الحذاء العسكريّ (تصميم أنَسْ عَوَض/العربي الجديد)
+ الخط -
ينشغل العرب بالحذاء هذه الأيام. فالعسكر يريدون أن يحكموا "بالجزمة". من الأنظمة الديكتاتورية وصولاً إلى أنظمة ما بعد الربيع العربي، التي استنسخت ما قبله، أو قل هي من صميم ما قبله، كما هو حال نظام عبد الفتاح السيسي الذي ورث نظام حسني مبارك، وجاء نسخة طبق الأصل.

المثقفون والشعراء يهجون بعضهم بـ"الحذاء"، كما في قول الشاعر "شعب إذا ضُرِبَ الحذاء برأسه، صاح الحذاءُ بأيّ ذنبٍ أُضرَبُ". وهو بيت يمكن القول إنّه الأكثر استخداماً على الفيسبوك والتويتر ومن أشهر بيوت الشعر العربية في السنوات الأخيرة.

ومن ينسى الشاب العراقي منتظر الزيدي، الذي حين أراد "اغتيال" الرئيس الأميركي جورج بوش معنويا، في قلب العراق، أثناء مؤتمر صحافي، أطلق عليه "صاروخي" فردتي حذائه.

فكتب شاعر اسمه حامد العلي مادحا: "قال الحذاءُ فأسكتَ الخُطباءُ، هذي لعمري خطبةٌ عصماءُ". وقال الشاعر الفلسطيني عيسى العدوي: "يا قاصف الرّعدِ من كفّيكَ قد هَطَلَتْ، تلكَ النعالُ على المحتلّ تَنهَمِرُ".

والثوّار المصريون في ميدان التحرير، حين كانون يفترشون الميادين للمطالبة بإسقاط الرئيس حسني مبارك، ضربوا بأحذيتهم الشاشة التي نقلت خطابه الأخير في يناير/كانون الثاني 2011... كانت أحذيتهم أوّل ما خطر على بالهم حين أرادوا "إذلال" رئيسهم وهو في قمّة السلطة، قبل أن يصير مذلولاً في المحاكمات المستمرّة.

قبلها، في العراق أيضا، ضرب عراقيون تمثال صدّام حسين بأحذيتهم في مارس/آذار 2003، لحظة أسقطت قوّات أميركية تمثاله في وسط بغداد. كما لو أنّهم ينتقمون، بالحذاء حصراً، من عقود القهر والقمع والقتل والخراب. وهنا كان الحذاء وسيلة انتقام.

بعدهم هتف اللبنانيون في 14 مارس/آذار 2005 "ما بدنا جمهورية، تحت الجزمة السورية"، حين طالبوا بخروج القوّات السورية من لبنان. كانوا يريدون التحرّر من "الجزمة" السورية. كانوا يشعرون بثقل الجزمة فوق حريّتهم، ولم يكن هناك خيال أبعد من "الجزمة".

وفي سورية حاليا، أغلب مقاطع اليوتيوب التي تصوّر "انتصاراً" لهذه المجموعة أو تلك، تكون عبارة عن أقدام فوق رؤوس جثث الأعداء، أو فوق رؤوس الأسرى، دليلاً على "هزيمة" من يقع "تحت الجزمة". وفي بداية الثورة السورية كان المدنيون حين يُسقِطون تمثالاً لحافظ الأسد يدوسونة بالنعال، كما يصوّر هذا الفيديو بعد إسقاط تمثاله في الرقّة. كما لو أنّهم يقولون له "النعل بالنعل، والبادي أظلم".

في أغسطس/آب 2013 دشّن مؤيّدون لنظام الأسد تمثالاً لحذاء عسكري ورصاصة على مدخل مدينة اللاذقية، في تأكيد على "مبايعة" أهالي اللاذقية الأسد وعسكره. هكذا صاحب الحذاء أكثر من ربيع عربي، وكان دائما دليلاً على النصر، أو مطلبا للتحرّر من "جزمة" عسكرية ما.

وما زال. أيضا في لبنان، انتشرت قبل أيّام على جنبات الطرق لوحات إعلانية تصوّر جزمة عسكرية يريد ناشروها القول إنّه على الجيش اللبناني أن ينتصر، بجزمته، على الإرهاب، بعد معركة عرسال بين الجيش من جهة وتنظيمات "داعش" و"جبهة النصرة" من الجهة الأخرى.

فيما اعترض كثيرون على وسائل التواصل الاجتماعي معتبرين أنّه لا يجوز إعلاء شأن العسكر وجزماتهم، كما جرى في مصر. حتّى في إعلان "الحبّ" للعسكر لا يخطر على بال المادحين غير الجزمة. وهذا ليس غريبا. فالعسكر يحبّون أن تسبقهم صورة الجزمة. لا نرى عسكرياً مع صورة كتاب مثلاً، أو مع جملة، أو فكرة.

ومن ينسى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، الذي توجّه إلى جمهوره، بعد حرب يوليو/تموز 2006، قائلا إنّ أعداءهم يريدون إعادتهم "ماسحي أحذية". وردّ عليه جمهوره بـ"السلوغون" الأشهر "فدا صرماية السيّد"، وهي محطّ كلام كان يُراد به القول إنّ كلّ الدمار الذي أصاب الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت بعد حرب يوليو/تموز يهون "فدا صرماية السيّد".

قبلها كان الوزير السابق وئام وهّاب قد أطلق أقوى موقف ضدّ المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان للحكم في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حين قال "المحكمة الدولية وصرمايتي سوا". ويُقال عن "القويّ" في المجتمعات العربية إنّه "يضرب بحذائه"، أي أنّه يفعل ما يريده دون حسيب أو رقيب.

ومن أشهر أغنيات الفنان أحمد قعبور "أناديكم، أشدّ على أياديكم، وأبوس الأرض، تحت نعالكم، وأقول أفديكم". الطريف أنّه في مديح المقهورين كذلك تذهب الأغنية إلى تقبيل الأرض "التي تحت النعال". وكما في إذلال الأعداء وفي المطالبة بالتخلّص من الظلم، أيضا في الحبّ والغرام.

هنا أغنية للمغنّي الشاب ناصيف زيتون، وقد شاهدها الملايين على يوتيوب، تدعو إلى الركوع "وتبوس تراب الأرض اللي بتمشي عليها". هي واحدة من أغنيات كثيرة تربط بين الحبّ وبين تقبيل حذاء الحبيب أو قدمه. فيرتبط التذلّل بعظمة المشاعر، ويهون الذلّ ويتأنّق حتّى يصير ولها وعشقا.

ربّما تكون جريمة القتل الأكثر غرابة في التاريخ هي اغتيال شجرة الدرّ، التي بايعها المماليك وحكمت ثمانين يوما فقط، ثم تنازلت لعزّ الدين أيبك بعدما تزوّجته. ثم قتلته، فانتقمت منها زوجته، بأن أمرت جواريها بقتلها. فضربوها على رأسها بالقباقيب، أي أحذية النساء في ذلك الزمان.

وإذا أردنا الابتعاد عن العرب والجديّة، بين الشعر والسياسة، من ينسى قصّة السندريلا، أشهر الحبيبات في التاريخ، التي اصطفاها الأمير من بين نساء المملكة كلهنّ، ومن كندرتها وصل إليها. إذ راح يجول في بيوت المملكة ويجرّب الكندرة في أقدام الفتيات، إلى أن وجد القدم الملائمة، وكانت سندريلا. هي التي، بحذائها، تحوّلت من خادمة إلى ملكة. وربما يكون هذا الحذاء الأكثر شهرة في التاريخ.

كذا الحذاء المثقوب أو العتيق دليل إلى الفقر، والحذاء اللامع، منه تعرف النساء أيّ نوع من الرجال أمامها. وربّما تكون مناسِبة قصيدة الشاعر اللبناني وديع سعادة التي تقول إنّه لا يعرف أشخاصا سعداء، بأحذية قديمة. هو الحذاء، في الثورات والحروب، في الانتصارات والهزائم، في الحبّ والغناء، في الشعر المديح والهجاء، وحتّى في أفلام الكرتون والقصص الخيالية التي يدمنها الأطفال. هو الحذاء، الذي يشكّل محوراً مخفياً، ووحده يربطنا بهذه الأرض، كما قال الشاعر السوري محمد الماغوط "لا شيء يربطني بهذه الأرض سوى حذاء".
المساهمون