الحبابي مُترجَماً.. فعل الشهادة وحرية الشاهد

06 يناير 2018
(الحبابي في بورتريه لـ أنس عوض، العربي الجديد)
+ الخط -

عرفت هذه السنة التي نودّعها ترجمة كتابين للفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي (1922-1993) إلى لغات أوروبيّة، ونعني بذلك كتابه "الشخصانية الإسلامية" (1969) الذي صدر في السلسلة الإيطالية "في الإسلام" Nell'Islam، المتخصّصة في التاريخ والفكر الإسلاميين.

وعن منشورات "مؤسسة إمانويل مونيي" Instituto Emmanuel Mounier، صدرت في مدريد ترجمة للكتاب نفسه. كما أن الترجمة الألمانية لهذا الكتاب صدرت في عام 2011، بعنوان يعبّر أكثر من غيره عن رؤية الحبابي إلى الإنسان في الإسلام: "الإنسان شاهد على الله".

يشترط فعل الشهادة - كما فهمه الحبابي ويتوجّب أن نفهمه - حريّة الشاهد، كما أن فعل الشهادة لا يتحقّق إلّا في العلاقة الإيتيقية بالآخر، كمسؤولية. إنها حريّة من أجل تحمّل المسؤولية. وهي الحرية والمسؤولية نفسها التي سيقبرها تراث الاستبداد.

إن الحبابي يقرأ القرآن والسنّة انطلاقاً من فعل الشهادة وليس في تغييب له، وبلغة أخرى، إن الدين يُعاش فردياً، كمسؤولية فردية، وليس كسلطة جمعية، أو كعقلية للقطيع، كما يكتب الحبابي.

من شأن ترجمة هكذا كتّاب إلى اللغات الأجنبية، أن تقدّم للقارئ الغربي صورة مختلفة عن الإسلام، الذي شوّه معالمه الاستبداد والتطرّف ومعهما الإسلاموفوبيا بصورتيها القديمة والجديدة، خصوصا أن الحبابي ينطلق في كتابه دائماً من القرآن والسنّة.

يقودنا هذا إلى ما سبق وكان الحبابي قد كتبه في كتابه: "من الحريات إلى التحرّر" (1972)، والذي صدرت ترجمة له باللغة الألمانية مؤخراً عن دار "كلاوس شفارتس" البرلينية، أنجزها وقدّم لها ماركوس كنير، الذي كان قد أنجز من قبل ترجمة "الشخصانية الإسلامية" إلى الألمانية ونصوصاً أخرى للفيلسوف المغربي.

وكان صدور هذا الكتاب لأول مرة قد تصادف مع استقلال المغرب عن فرنسا، وكما كتب ماركوس كنير في مقدمته للكتاب، فإن مفاهيم الحرية والتحرّر كانت حاضرة في الخطاب التحرّري في الخمسينيات والستينيات داخل السياق العربي، ولكنها ستعود برأيه مرة أخرى مع "الربيع العربي"، مع اختلاف كبير، وهو أنه سيتم التركيز على حرية الفرد وكرامته، والتخلّي عن تلك الشعارات الكبرى التي انتهت بالمجتمعات العربية إلى نوع من الاستعمار الداخلي. هذا ما يمنح كتاب الحبابي، برأي ماركوس كنير، راهنية كبيرة.

إن التحرر كما يفهمه الحبابي هو صيرورة شخصية، وهناك حيث يمّحي الشخص لمصلحة المجموع، يتحوّل التحرّر غالباً إلى ديكتاتورية مقيتة أو إلى تحرّر بدون حرية، وهنا يختلف الحبابي، شأنه في ذلك شأن ألبير ميمي (1920) في "صورة المستعمِر والمستعمَر" (1966)، عن فرانز فانون، والذي تلعب مفاهيم مثل الأمة والثقافة الوطنية والشعب دوراً كبيراً في فكره التحرّري، كما يتجلّى ذلك في كتابه "معذّبو الأرض" (1961).

دلالات
المساهمون