الحاج وفيق

24 مارس 2015
لكلّ حيّ في لبنان "وفيقه" (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -
"الله لا يوفقك يا وفيق".. عبارة يقولها كثيرون للحاج وفيق بغيابه، وفي كثير من الأحيان في وجهه. ومع ذلك، لا يهتم. فالرجل المربوع القامة ربما يحسب الشتيمة مديحاً. يأخذها على سبيل المزاح والملاطفة، رغم ما في محدّثه من حنق ونقمة منه. تراه منسلخاً عن واقعه وغارقاً في نرجسيته الخاصة، ولسان حاله يقول مع كلّ وضع طارئ: "لا أحد مثلي، كلّهم أغبياء".

الوضع الطارئ ليس لازمة يومية، لكنّ وفيق نفسه قد يخلق ذلك الطارئ خلقة، ليشرف على محاولة معالجته، التي تبقى في كثير من الأحيان مجرد محاولة. وبينما هو غارق في المعالجة تلك، لا يغفل أبداً عن بثّ فهمه المفترض وقيادته الفذة لمن معه. فهو الموجّه والمنفذ والمحدّث عن خبراته العظيمة وقدراته التنظيمية الفائقة.

وفيق في منتصف الأربعينات. نال حظوة الحجّ ورتبته باكراً. وصار يتعامل مع الناس على هذا الأساس. أولاً هو حاج... إذاً فهو أعلى رتبة من غيره. هو أكثر احتراماً وهيبة. هو أكثر وجاهة. وهو الأكثر إدراكاً وفهماً وخبرة في الأمور الدنيوية والدينية.

في الحيّ الذي يسكن فيه، تكثر الفوضى، ككثير من أزقة بيروت الشعبية وضواحيها. فالكهرباء، مثلاً، كثيراً ما تنقطع، وتؤدي إلى سرقة وتعليق على خطوط الآخرين. كذلك تخلق رديفاً لها متمثلاً في مولدات التيار في الأحياء. والأخيرة مليئة بالمشاكل في عشوائية إمداداتها، وفي تضاؤل طاقتها بين يوم ويوم، وفي مزاجية أصحابها يرفعون التسعيرة كيفما ارتأوا، ويطفئونها متى ما شاءوا. والمياه كذلك، إذا وصلت إلى البيوت فهي مالحة، أو ملونة بالأزرق والأصفر والرمادي. ومعها أصحاب الصهاريج ومشاكلهم التي لا تنتهي، صراخاً وعراكاً مع كلّ نقلة. ومواقف السيارات تغيب، ومعها يغيب كلّ احتمال للرزانة لدى السكان. فالمشاكل المرتبطة بتلك المواقف، تكاد تكون أكثر من المشاكل المرتبطة بالفتيات هناك. وغيرها الكثير مما يرفع حدّة العشوائية، ويستدعي تدخل وفيق وأمثاله.

لكنّ وفيق الذي يتسلط - من دون أن يعرف أحد كيف- كرئيس للجنة البناية، ويخوض في كلّ جدال ونقاش وإشكال، من منطلق تهدئة النفوس، يفشل دائماً في الحلّ. وكثيراً ما يناله اللكم والصفع والإهانة. ومع ذلك لا يرتدع. ربما لا ينتبه حتى لما يناله. فهو الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر. وهو المكلف بالأخلاق العامة. وهو ناظم الحيّ وناظره الذي لا يهدأ له بال، ولا ينام الليل إن لم يُفهم الجميع أنّه كلّ ذلك. بل ويذكّرهم دائماً بحظوته لدى الحزب المسيطر على الحيّ، ولدى مخفر الدرك المسؤول.

لكن، لا أحد يصدّق وفيق، أو يحترمه.
دلالات
المساهمون