الجيش المصري يستقطع مساعدات خليجية لتأهيل 2.7% من العاطلين

20 مايو 2014
غالباً ما يقصدُ العاطلون في مصر المقاهي (بيتر ماكديرميد/أرشيف/Getty)
+ الخط -

يبدو تدخل الجيش المصري، في الحياة المدنية، أكثر وضوحا منذ الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي في يوليو/تموز الماضي، خصوصاً في ظل اتخاذه خطوات بعضها مدفوع الأجر، للمساهمة في حل أزمات اقتصادية واجتماعية مزمنة، وعلى رأسها البطالة.

واستخدم الجيش إمكانياته في مجال التصنيع، والتي تغطي منتجات كثيرة من المعكرونة والبرادات (الثلاجات) وأجهزة الكمبيوتر اللوحي، في توفير التدريب المهني للباحثين عن عمل، وذلك في شراكة جديدة مع الحكومة المدنية تم الكشف عنها في أبريل/ نيسان الماضي وسط ضجة إعلامية كبيرة.

وجاءت هذه المبادرة على أنها جزء من حملة لمعالجة البطالة. لكنها في الحقيقة تدل على الدور الاقتصادي الكبير للجيش، الذي يوشك قائده السابق، عبد الفتاح السيسي، أن يصبح رئيسا لمصر في انتخابات الرئاسة، التي تجري يومي 26 و27 مايو/أيار الجاري.

تدخلات مقابل أجر

ورغم أن هذا البرنامج يبدو قطرة في المحيط، إذ إنه يهدف إلى تدريب 100 ألف شاب على مهارات يحتاجها القطاع الصناعي فهي تظهر استعداد الجيش لدعم الحكومة، وتطور دوره في تشكيل السياسات الداخلية.

وقال محمود الشربيني، المدير التنفيذي لمجلس التدريب الصناعي، الذي يسعى للمرة الأولى إلى الاستفادة من امكانيات وزارة الإنتاج الحربي، إن الوزارة لم توافق من قبل قط على فتح منشآتها لبرنامج تدريب يديره القطاع المدني.

 لكن وزارة الإنتاج الحربي لا تقدم هذه الخدمة مجانا، إذ تتولى الإمارات العربية المتحدة تمويل البرنامج بجزء من مليارات الدولارات، التي أرسلتها كمساعدات لمصر، كما أن السلطات المدنية تدفع لوزارة الإنتاج الحربي مقابل خدماتها.

وأصبح الدور الاقتصادي للجيش أكثر وضوحا منذ الانقلاب العسكري على مرسي، فقد أصبحت القوات المسلحة، على سبيل المثال، قناة لتوجيه بعض من مليارات الدولارات التي تدفقت على مصر كمساعدات من دول خليجية، تخطت 21 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الماضية.

وأضاف الشربيني، في تصريحات لوكالة رويترز، اليوم الثلاثاء، أنه إذا لم ينجح البرنامج "فستنفجر القنبلة في وجوه الجميع. وهم لا يريدون (يقصد الجيش) مواجهة ثورة أخرى خلال العام المقبل."

ويجري تدريب المستفيدين من الشبان والشابات ضمن برنامج التدريب في مجمع يخضع لحراسة مشددة، تديره وزارة الإنتاج الحربي على مشارف القاهرة. ويرتدي المتدربون معاطف زرقاء، ويشمل البرنامج التدريب على الأعمال الميكانيكية وتشغيل الآلات الصناعية أو تصنيع لوحات الدوائر الالكترونية.

ووصف وزير الدولة للإنتاج الحربي، اللواء ابراهيم يونس، في جولة مع الصحافيين خلال زيارة في أبريل/نيسان، المشروع بأنه يمثل جزءاً من "مسؤوليات الوزارة تجاه المجتمع"، رغم أنها تأخذ مقابل هذه البرامج.

والوزارة مسؤولة عن قطاع من الاقتصاد يخضع لسيطرة القوات المسلحة، ويصفه منتقدوه بأنه دولة داخل الدولة.

ويقدر بعض المحللين أن هذه الامبراطورية المالية، التي يمتلكها الجيش، قد تصل إلى 40% من الاقتصاد المصري.

مساهمات ترويجية

وقال أوليفر كولمان، كبير المحللين في مابلكروفت لأبحاث المخاطر: "الجيش قد يكون له نفوذ اقتصادي لتحسين تشغيل الشباب في بعض القطاعات، وخصوصا التصنيع. لكن الأثر سيكون في غاية التواضع من حيث الاقتصاد عموما."

ومن المقرر أن يدرب البرنامج نحو 100 ألف عاطل لا يمثلون أكثر من 2.7% من إجمالي عدد العاطلين، استنادا إلى بيانات حكومية تقدر إجمالي البطالة في مصر بنحو 3.6 مليون شخص.

وقال الجهاز المركزي المصري للإحصاء، الأسبوع الماضي، إن معدل البطالة ارتفع خلال الربع الأول من العام الجاري إلى 13.4%، مقابل 13.2% خلال الفترة نفسها من عام 2013، نتيجة استمرار تباطؤ الأنشطة الاقتصادية، وعلى وجه الخصوص كثيفة العمالة، مثل الصناعة والسياحة والتشييد والبناء.

 ولم يلفت تقرير جهاز الإحصاء المصري الحكومي إلى حجم البطالة بين الشباب، لكن وزير المالية، هاني قدري دميان، قال مؤخرا إنها تصل إلى 25%.

وغالبا ما ينتقد مراقبون إحصاءات الحكومة المصرية بشأن البطالة بوصفها "بعيدة عن الواقع".

وترتفع تقديرات المتخصصين حول معدل البطالة في مصر إلى 25% من إجمالي قوة العمل، بفعل الاضطرابات السياسية، التي أضرّت بالاقتصاد منذ الانقلاب العسكري. وكان المدير السابق لإدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي، خالد إكرام، قد قدّر في تصريحات سابقة، معدل البطالة في مصر بأكثر من 25%.

وإذا صحت تقديرات المتخصصين بشأن أرقام البطالة، فإن برنامج الجيش التدريبي لن يساهم بأكثر من 1% من إجمالي البطالة في مصر.

وكانت معدلات البطالة قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في حدود 8.9%.

 شرارة ثورة؟

اعتبر السيسي البطالة من القضايا ذات الأولوية، لكنه لم يذكر تفاصيل عن الكيفية التي سيتصدى بها لهذه المشكلة. وينظر إليه بعض الشبان المصريون في ارتياب إذ يرون فيه عودة لنظام الحكم، الذي يدعمه الجيش، والذي ثار عليه الشعب في 2011.

وقضية البطالة من الحساسية بحيث يمكن أن تكون مفتاح النجاح لرئاسة السيسي أو العكس تماما.

فمن العوامل وراء ثورة يناير/كانون الثاني عام 2011، التي أطاحت حسني مبارك من رئاسة مصر، الغضب الذي يشعر به الشبان المصريون الذين لا يجدون عملا ولا أمل لديهم في إيجاد مسكن وتكوين أسرة.

وازدادت أزمة البطالة سوءا منذ ذلك الحين، مع ابتعاد المستثمرين والسياح عن مصر التي يزيد عدد سكانها على 85 مليون نسمة.

وقال عبد الرحمن (20 عاما) وهو يجلس عابسا في أحد المقاهي في القاهرة "الآن حيحكم (سيحكم) عسكر تاني"، مشيرا إلى التوقعات بفوز السيسي في الانتخابات. وأضاف لرويترز "لو عمل غلطة واحدة وهو رئيس، الشعب كله حيثور (سيثور) عليه".

ومثل كثيرين من الشبان يقضي عبد الرحمن وقته في المقاهي، إذ إنه لا يعمل. وجد وظيفة في محل للملابس بمرتب 800 جنيه (110 دولارات) في الشهر، لكنه فصل منها لأنه أخطأ في طي قميص.

ويهدف برنامج التدريب الحكومي الجديد إلى معالجة خلل في الاستفادة من المهارات المختلفة، يرجع في جانب منه إلى سياسة الدولة، التي قامت منذ عشرات السنين على دعم التعليم الجامعي، مما أدى إلى وجود فائض كبير من المحاسبين والمهندسين، ينتهي بهم الحال في كثير من الأحيان إلى العمل كسائقي سيارات أجرة أو أعمال أخرى لا تتناسب ومؤهلاتهم العلمية أو طموحاتهم.

وقال مسؤول في مجلس التدريب الصناعي، التابع لوزارة الصناعة، إن المجلس نظم معرضا للتوظيف هذا العام عرض فيه 20 ألف وظيفة في القطاع الصناعي لم يتقدم لها سوى 7000 شخص.

ويعتقد البعض أن من الممكن استخدام وزارة الإنتاج الحربي، بصورة أوسع، للمساعدة في علاج الخلل. لكن مطالب الوزارة المادية لأي برنامج تدريبي تقوم به، قد يعرقل هذه الخطط.

وقال سامح سيف اليزل، رئيس مركز الجمهورية للدراسات الاستراتيجية: "من المعروف أن أفضل اللحامين في مصر خرجوا من هذه المراكز" التابعة للإنتاج الحربي.

وأضاف سيف اليزل، الذي يقول إنه على اتصال بالسيسي "الإنتاج الحربي جزء من الحل الشامل."

وربما يكون من الصعب تغيير المسار لكثير من الشباب، إذ إن خُمْسَ الخريجين لا يعملون.

ويرفض كثير من الشبان أداء الأعمال اليدوية، مثل الأعمال التي يجري التدريب عليها في مراكز الإنتاج الحربي، على أمل العثور على وظيفة تتفق مع دراستهم.

ومن هؤلاء، طالب الهندسة محمد عبد القادر (22 عاما)، الذي يقول "ما ينفعش (لا يصح). درست خمس سنين وبعد كده اشتغل حاجة تانية؟ لازم (لا بد) ألاقي (أجد) شغل مناسب".

ومن المتوقع ارتفاع معدلات البطالة في مصر إلى مستويات غير مسبوقة، نتيجة تزايد حدة التوترات في الشارع بسبب التعامل الأمني القمعي مع المتظاهرين من رافضي الانقلاب العسكري، إذ يزداد المناخ الاستثماري سوءاً، ويتوخى أصحاب الأعمال درجات عالية من الحذر قبل اتخاذ أية قرارات بشأن ضخ استثمارات.

ولا يتفاءل كثيرون بحل لأزمة البطالة على المديين القصير والمتوسط، كون المرشح الأقرب للرئاسة، عبد الفتاح السيسي، لا يمتلك أية خبرات اقتصادية تساهم في حلحلة تلك الأزمة، وهو ما اتّضح بعد طرحه الأخير لحل تلك الأزمة من خلال توفير ألف سيارة خضار، توفر الواحدة ثلاث وظائف، مما يعني تشغيل نحو ثلاثة آلاف شخص فقط من بين أكثر من سبعة ملايين عاطل عن العمل.

 

المساهمون