الجودة ومعاييرها

12 يوليو 2017
هل تحسن الوضع عربياً؟ (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
منذ أكثر من ثلاثة عقود بدأت مصطلحات جديدة تدخل إلى قواميس التقويم في الجامعات مثل جودة وتحسين التعليم العالي ليتلاءم مع المتطلبات المتسارعة. حدث ذلك في ظل تحوّلات لم يكن أحد يملك ترف التكهن بحصولها، من نوع انهيار منظومة الدول الاشتراكية وسقوط جدار برلين وفشل النموذج الشمولي في التخطيط من خلال أجهزة الدولة المركزية وظهور العولمة. وقد ترافق ذلك مع زيادات سكانية هائلة بفعل تطور أنظمة الرعاية الصحية والاجتماعية وتدفق الطلاب على المدارس أولاً ثم على الجامعات تالياً. وقد قاد ذلك إلى زيادة الأعباء المادية على الحكومات والدول للنهوض بواجب تأمين التعليم للجميع الذي رفعت يونسكو شعاره، وهو ما أتاح الفرصة للقطاع الخاص أن يدخل بقوة إلى قطاع التعليم.

لكن الأمر، ومع توسع ظاهرة العولمة، لم يقتصر على القطاع الخاص الداخلي، إذ رافقه دخول القطاع الخاص المعولم إلى هذا الميدان ضمن منطق الاستثمار وتحقيق الأرباح، مستنداً إلى التراكم المعرفي والعلمي والتكنولوجي المحقق في المؤسسات الأكثر شهرة. بالطبع قاد مثل هذا الوضع إلى إضعاف سلطات الدول والحكومات وما كانت تعتمده من اتجاهات سياسية واجتماعية وما درجت على تأمينه من تقديمات تربوية كأبرز واجباتها. كذلك كان من العوامل المقررة في البحث عن جودة النوعية التوسع الهائل في استخدام التكنولوجيا الحديثة وسرعة نقل المعلومات والتوجهات والدراسات والأبحاث، وكثير منها ساهمت فيه المنظمات الأممية التي كانت تكثّف من مؤتمراتها ونقاشاتها التي تتم بحضور مسؤولي الدول والحكومات حيث تعرّض هؤلاء للمساءلة عن سياسات دولهم وخططهم ومشاريعهم لعلاج عناصر القصور.

وبناء عليه باتت جودة التعليم أمراً إلزامياً لا مناص من الخضوع لأحكامه، باعتباره نوعاً من "سيرورة في مراجعة النوعية من الخارج تستعمل في التعليم العالي لتفحص الكليات والجامعات والبرامج من أجل ضمان الجودة وتحسين النوعية"، على حد ما عرّفها مجلس اعتماد التعليم العالي في الولايات المتحدة الأميركية. وتبعاً لذلك نشأت هيئات الاعتماد للقيام بواجب الرقابة والفحص، ومع تحقيق هذه العناصر تستطيع الجامعة أن تقدم نفسها للطلبة والأهل كمؤسسة ذات جودة معترف بها، ما يعزِّز موقعها التنافسي. ومع اختلاف الصياغات انتقل الأمر إلى أوروبا وغيرها. اختصاراً يمكن القول إن أبرز معايير ضمان الجودة يقوم على وضوح الرسالة والأهداف وجودة التخطيط وملاءمة الموارد البشرية والمادية واحترام الأعراف والحريات الأكاديمية ووضوح أهداف برامج الإعداد والتأهيل والتدريب والتقييم و... ويبقى السؤال هو ماذا فعلت الجامعات العربية للحصول على الاعتمادات وهل حققت تحسناً في نوعية ما تقدمه من تعليم وأبحاث أم ماذا؟

*أستاذ جامعي

المساهمون