كثيراً ما ارتبطت الجوائز الأدبية في الساحة الثقافية العربية بالجدل الذي يُثار حولها، خصوصاً عند إعلان نتائجها. وفي عُمان، لا يختلف المشهد كثيراً: ليس ثمّة جوائزُ من دون صخب وجدل يُرافقانها دائماً. ينطبق الأمر على كلّ الجوائز تقريباً، ومن بينها: "جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب"، التي تُعتبر أبرز الجوائز الإبداعية في البلاد، وتُمنح كل سنتَين لفائز من البلاد العربية، وكذلك "جائزة الجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء" و"جائزة الجمعية العُمانية للفنون التشكيلية".
"العربي الجديد" التقت عدداً من الكتّاب والفنّانين العُمانيين الذين سبق لمعظمهم الفوز بجائزة أو أكثر، وأيضاً ببعض المشرفين على جوائز في عُمان، لاستطلاع آرائهم ورؤاهم حول ذلك الجدل الذي يحتدم كلّ مرّة.
يرى القاص والروائي محمود الرحبي (1969)، الحاصل على "جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب" في دورتها الأولى عام 2012 ، في مجال القصّة القصيرة عن مجموعته "ساعة الزوال"، أن حال الكاتب العُماني لا تختلف عن حال الكاتب العربي؛ إذ "يصارع على جبهتين: جبهة الكتابة وصعوبات النشر، وجبهة وضعه الاجتماعي. لذا، فحين تأتي الجائزة، فإنها تذلّل كثيراً من العقبات على المستويَين وتحلّ بعضاً من تلك المشاكل".
لكن الرحبي يلفت إلى أن الجائزة ليست مكافأة ماليةً فقط، معتبراً أنها تميّز الفائز بين أقرانه من الكتّاب. لكن صاحب مجموعتي "بركة النسيان" (2006) و"اللون البني" (1998) يؤكّد أيضاً أنه "ضد أن يكتب الكاتب من أجل جائزة معينة، إنما يكتب وفقاً لقناعاته الفنية والجمالية، إذ لا تعدّ الجوائز مقياساً نهائياً على جودة العمل، ولكنها ضمن المقاييس المتعارف عليها في إطار من التنافس الحر".
ولا يخفي الرحبي أن "جائزة السلطان قابوس" ساعدته في اقتناء بيت، ومن المفارقات الطريفة أنه اكتشف أن جاره في الحي الفنان رشيد بن عبد الرحمن الذي اشترى بدوره بيتاً بعد أن حصل على الجائزة نفسها وفي العام نفسه (2012) عن فرع الفنون في مجال الرسم والتصوير الزيتي.
تتفق الشاعرة فاطمة الشيدي (1973) مع الرحبي في أن "الجوائز توفّر شيئاً من الرخاء المادي، الذي يمكن أن يستثمر في العملية الإبداعية؛ ذلك أن المبدع العُماني كغيره يستحق الاهتمام والتقدير إذا أنتج عملاً متميزاً"، مشيرة إلى أن الجوائز حالة طبيعية في كل العالم، ولكن مدى مصداقيتها في عالمنا العربي محكوم بالمربك والجدلي في كل شيء غالباً".
وتستطرد صاحبة "على الماء أكتب" (2014) أن "هناك جدلا حول مدى استحقاق مبدع ما لجائزة ما، والعلاقات التي تحرّك الجائزة أو تحكمها، ومدى مصداقية لجان التحكيم التي لا يمكن أن يكون هناك إجماع عليها، لأن الموضوعية نسبية والإجماع على شخصية ثقافية هي حالة شبه مستحيلة. ومع هذا فهناك جوائز أثبتت مصداقيتها يوماً بعد آخر بمصداقية المبدعين المتحصّلين عليها".
بدوره، سبق للقاص والروائي سليمان المعمري وأن فاز بجوائز محلية وعربية، منها "جائزة يوسف إدريس للقصة القصيرة". وفي المحور ذاته، يعتبر "أن الجوائز الأدبية لها دور في تعريف القارئ بالكاتب من جهة، ومن جهة ثانية تحفيز هذا الكاتب وحثّه على تجويد كتابته ليبقى على مستوى الجائزة التي نالها. وفي عُمان جوائز أدبية عدّة لا تخلو من شدّ وجذب بعد إعلان نتائجها، كما هو حال معظم الجوائز العربية".
لكن صاحب رواية "الذي لا يحب عبد الناصر" ومجموعتين قصصيتين هما: "ربما لأنه رجل مهزوم"، و"عبد الفتاح المنغلق لا يحب التفاصيل"، يرى أن "جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب"، استقطبت أسماء أدبية مهمة في الوطن العربي، لكنه يأخذ عليها "تغيّر الجنس الأدبي الذي تُمنح فيه كل سنتين، ما يجعل نطاق متابعتها من قبل الأدباء العرب محدوداً، فكلٌّ يهتم فقط بالجنس الأدبي الذي يكتب فيه، وبمجرد انتقال الجائزة إلى جنس أدبي آخر ينصرف عنها كتّاب الأجناس الأخرى، على العكس من الجوائز المتخصصة في جنس أدبي بعينه مثل "البوكر العربية" التي ينتظرها الروائيون العرب كل عام".
بالنسبة إلى الفنان التشكيلي سليم سخي، فهو يتأسف على حال الجوائز الفنية في السلطنة، ويصفها بأنّها "فقدت المصداقية وفتحت باباً للترضيات التي تهضم الجدارة الفنية في الفوز والتكريم، وكانت أداة لابتعاد بعض الفنانين البارزين من الساحة المحلية".
وأشار إلى أن الوسط الثقافي الأدبي والتشكيلي على حد سواء، لا يحتاج إلى "مجاملات وتحيّز لجان التحكيم لفئة معينة"، معتبراً أن في هذا "خداعا للمتلقي وخفضا لمستوى الذوق العام وفرصة للمغالاة في رفع قدر الأعمال الأدبية أو التشكيلية غير المستحقة، نظراً لمعرفة المُحكّم بالفنان أو الكاتب، وليس لحكم مستند إلى قيمة العمل الفني" على حد تعبيره.
أمّا عن آلية اختيار الأعمال الفائزة، فقد التقت "العربي الجديد" باثنين من المشرفين على هذه الجوائز؛ بدورها قالت مديرة مكتب "جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب"، الأكاديمية عائشة الغابشي، "إن الجائزة التي تأسست عام 2011 وتصل قيمتها إلى 100 ألف ريال عُماني (حوالي 260 ألف دولار أميركي)، وضعت معاييرها التي تخضع لها لجان التحكيم مع صرامة أكاديمية ومرونة إنسانية"، في إشارة إلى عدم تدخل مكتب الجائزة في قرارات لجان التحكيم وفقاً للغابشي، التي تضيف أن "هناك معيقات إدارية وفنية في الشأن الثقافي والفني والأدبي تحول دون متابعة كل ما يستحق التكريم في حقول الجائزة، نظراً لتجدد موضوعات الجائزة كل دورة، رغم أن آلية الترشّح الشخصية تمنح عدالة ومساواة أكبر".
من جانبه، قال رئيس "الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء"، القاص والروائي الخطّاب المزروعي (1972) "إنه عند الحديث عن الجوائز الأدبية ونزاهتها، وخصوصاً الجوائز العربية والعُمانية على حد سواء، فإننا نجد ردود أفعال متناقضة لبعض الكتّاب عند إعلان النتائج، لذا على من يشك في نزاهة أية جائزة فعليه ألا يشارك منذ البداية، أمّا أن يشكّك فيها كونه لم يفز، فالأمر في نظري ينقلب من موضوعي إلى شخصي".
وأكد صاحب "لعنة الأمكنة" أن لجان تحكيم "جائزة الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء" لأفضل الإصدارات السنوية، يتم اختيارها من الأسماء المعروفة على المستوى المحلي والعربي، ولا يتدخّل مجلس الإدارة في نتائج المسابقة وحتى في آلية التقييم الفنية، وإنما تعلن النتائج على الجمهور مباشرة في مؤتمر صحافي.