الجهاد الألماني

10 ديسمبر 2015
تستند المسرحية إلى وقائع تاريخية (Getty)
+ الخط -
من أعماق التاريخ نفضت المخرجة المسرحية الألمانية –عربية الأصل- "كلوديا بصراوي" التراب عن قصة تدور حول استغلال الدين في الصراع السياسي والحروب العابرة للحدود، لكنها قصة من ألمانيا هذه المرة.


لكن كلوديا -التي تضرب جذور عائلتها في بلاد العراق وسورية ولبنان- لم تكتفي في مسرحيتها "جهاد"؛ التي عرضت في برلين خلال الصيف الماضي؛ بعرض تلك القصة التاريخية، ولكنها دمجتها في نص مسرحي حداثي وربطتها بتاريخ أسرتها وتاريخ الشرق الأوسط الحديث.

تستند المسرحية إلى وقائع تاريخية حدثت خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918)؛ كانت ألمانيا وقتها تحارب روسيا وبريطانيا وفرنسا وأسرت من جيوشهم آلاف الجنود الذين يدينون بالإسلام – خاصة من شبه القارة الهندية التي كانت واقعة تحت الاحتلال البريطاني حينها- وتفتقت أذهان القادة العسكريين الألمان عن خطة لتحويل هؤلاء الأسرى إلى جهاديين يتم تدريبهم وإعادتهم إلى بلادهم للقيام بعمليات خلف خطوط العدو، في المستعمرات البريطانية بخاصة.

كانت الإمبراطورية العثمانية المحتضرة وقتها في صف حلفاء برلين في الحرب العالمية الأولى، وكانت الخطة الألمانية تستند إلى اعتقاد أغلبية المسلمين، في ذلك الوقت، أن السلطان العثماني في إسطنبول هو خليفة المسلمين الأولى طاعتهم.

وأسس الألمان وفقاً لتلك الخطة معسكراً لأسراهم من المسلمين قرب برلين وشيدوا به أول مسجد يبنى في ألمانيا على الإطلاق كوسيلة لإظهار احترامهم للدين الإسلامي ضمن مخططهم لاستمالة الجنود المحتجزين في المعسكر.

كانت كل مباني معسكر الأسرى –الذين سعت ألمانيا لتحويلهم إلى جهاديين- من الخشب بما في ذلك المسجد، وبالتالي لم يبق من المعسكر أي شيء بعد انتهاء الحرب.

تستخدم كلوديا بصراوي هذه القصة كخلفية فكرية وبصرية لمسرحيتها، خلفية فكرية لأن كثيراً من مقاطع المسرحية تتحدث عن "مؤامرات" تسببت في الاضطرابات القائمة في الشرق الأوسط، وخلفية بصرية من خلال استخدام مجموعة من التسجيلات المصورة التي تعود إلى وقت وجود المعسكر، وخاصة في احتفالات عيد الأضحى الذي حرص الألمان في ذلك الوقت (تقريباً 1917) على تنظيم احتفال خاص به في معسكر الأسرى المسلمين.

وتقول بصراوي التي تعمل كممثلة ومخرجة في ألمانيا منذ سنوات، إن مسرحية "جهاد" هي الأولى لها "حول ما يحدث في الشرق الأوسط"، وإن الإعداد لها استغرق عامين، جزء كبير من ذلك الوقت ذهب إلى جهد البحث في تاريخ هذا المعسكر.

وتضيف أنها أجرت لقاءات مع مختصين في أوضاع الشرق الأوسط، وأنها رغبت في تقديم عرض ديمقراطي يسرد مختلف وجهات النظر حول الأحداث بالمنطقة.

وقدمت المسرحية في مسرح صغير بضاحية كانت جزءاً من برلين الغربية، وكان العرض - الذي حضرته - مكتمل العدد تقريباً، وجانب لا بأس به من الجمهور من ذوي الأصول العربية.

ويبدو أن صعود "داعش" والإسلاميين المسلحين في سورية والعراق أفزع المثقفين العرب في أوروبا مثلما أفزع نظراءهم العرب، فبدأت موجات عديدة من المراجعات حول ما يحدث بالمنطقة العربية، يميل أغلبها إلى اعتبار صعود الإسلاميين في دول الربيع العربي جزءاً من مؤامرة غربية لتدمير المنطقة.

وتقدم بعض فصول مسرحية "جهاد" مشاهد من سورية تحت حكم عائلة الأسد، متغنية بالأمان والسلام الذي كانت تنعم به سورية، في ذلك الوقت، ولكن دون أي إشارة للأسد أو لنظام الحكم.

وتقدم مشاهد أخرى جوانب من الحياة في دول عربية وإسلامية أخرى تعاني من سطوة التطرف الإسلامي مثل أفغانستان.

وتقر كلوديا بصراوي أن مسرحيتها تحمل رسائل متعددة وأنها قد يمكن تفسيرها بطرق متعددة، وتؤكد مجدداً أن ذلك نابع من الطريقة الديمقراطية التي قدمت بها مختلف وجهات النظر حول المنطقة خلال العمل.

(مصر)
المساهمون