الجنسية المزدوجة للمسؤولين العراقيين: خرق دستوري تحميه التوافقات السياسية

19 مايو 2020
لم يتنازل الكاظمي عن جنسيته الثانية (الأناضول)
+ الخط -

نجحت الاتفاقات السياسية، بين القوى والأحزاب السياسية الرئيسية في العراق، بتمرير حكومة مصطفى الكاظمي، بعد التغاضي عن جزئية مزدوجي الجنسية التي ظلت حاضرة خلال مشاورات تشكيل الحكومات السابقة، كمعيار رئيس لاختيار رئيس الحكومة والوزراء، إذ إن العديد من أعضاء الحكومة، بمن فيهم الكاظمي نفسه، لم يتنازلوا عن جنسياتهم الثانية، وهو ما وضعه مراقبون في إطار أن التوافق السياسي بات أقوى وأكثر تأثيراً من الدستور في كثير من الأحيان.

وبالرغم من تأكيد امتلاك عدد من أعضاء الحكومة جنسية ثانية، بريطانية وأميركية وأوروبية مختلفة، اكتسبوها خلال السنوات الماضية، إلا أن غالبية الأحزاب لم تتحدّث أو تثر الموضوع، وهو ما دفع إلى التساؤل حول ملفات عديدة يتم تجاوزها بالتوافق، أو إثارتها خلال الخلاف، كون الملف أثير حين كُلف محمد توفيق علاوي، الذي يملك جنسية بريطانية، وعدنان الزرفي ولديه الجنسية الأميركية، بمهمة تشكيل الحكومة عقب استقالة عادل عبد المهدي.

وعقب تشكيل حكومة عبد المهدي تخلى الرئيس برهم صالح عن جنسيته الأجنبية (البريطانية)، في خطوة أحرجت المسؤولين الآخرين، الذين يتمسكون بجنسياتهم المكتسبة، وسط عجز البرلمان عن تمرير قانون مزدوجي الجنسية الذي يواجه باعتراضات سياسية. وأعلن صالح، في بيان في ديسمبر/كانون الأول العام 2018، أنه "تخلى عن الجنسية التزاماً منه بما جاء في المادة رقم 18 الفقرة الرابعة في الدستور العراقي، والتي تنص على عدم جواز تمتع الأشخاص بجنسية أخرى مكتسبة في حال تم انتخابهم أو تكليفهم بمهام سيادية في جمهورية العراق".

وقال قيادي بارز في تحالف "الفتح"، برئاسة هادي العامري، لـ"العربي الجديد"، إن "عدداً من أعضاء حكومة الكاظمي يملكون جنسية ثانية، لكن تم التغافل عن الموضوع، كما تم التغافل عن مواضيع وملاحظات أخرى من أجل تمرير الحكومة". وأضاف أن "الغاية من منع أي شخص، يملك جنسية ثانية، تسلم مسؤولية بالعراق، هي كثرة حالات الهروب لمسؤولين متهمين بالفساد، ورفض الدول التي لجأوا إليها تسليمهم، على اعتبار أنهم مواطنون، فضلاً عن أن فيها جانب سيادي. لكن عملياً 90 في المائة من المعارضين لصدام حسين يملكون جنسيات غربية، ولم يتخلوا عنها".

وقال مسؤول آخر، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "ما لا يقل عن 4 وزراء بحكومة الكاظمي لديهم جنسيات ثانية، والكتل السياسية التي اتفقت مع الكاظمي على شكل الحكومة الجديدة لم تتطرق إلى مسألة الجنسية الثانية، لأن منع مزدوجي الجنسية من الحصول على المناصب لن يكون أمراً سهلاً، في ظل وجود قيادات حزبية كبيرة تحمل جنسيات دول أخرى. وهو ما يعني أن مسألة الجنسية الثانية ليست مرتبطة بالقانون العراقي الذي يمنع مالكها من تسلم مناصب مهمة، بل بالإرادات والاتفاقات السياسية".

يذكر أن المتظاهرين في العراق كانوا قد أعلنوا عن 7 شروط لاختيار رئيس وزراء جديد، خلفاً لعادل عبد المهدي، كان على رأسها أن يكون مستقلاً وليس منتمياً للأحزاب، ومن غير مزدوجي الجنسية. وشددوا، في بيان عقب اشتداد القمع الذي تعرضوا له أواخر العام 2019، على أن "يكون رئيس الوزراء الجديد نزيهاً وشجاعاً، ولم يثبت عليه أي قضية فساد، وألا يتجاوز عمره 55 عاماً، وأن يتعهد بعدم الترشح للانتخابات المقبلة". ويُعد تحالف "سائرون"، من أبرز المعارضين لفكرة أن يكون رئيس الحكومة، أو أحد الوزراء، يملك جنسية غير العراقية. وأشار عضو التحالف والنائب رعد المكصوصي إلى أن "موقف المتظاهرين كان واضحاً في منع مزدوجي الجنسية من تولي أي منصب سيادي أو وزاري، كما أن الدستور منع تولي متعددي الجنسية مناصب سيادية وأمنية". وأوضح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مجلس الوزراء العراقي سبق أن أوفى بالتزاماته، وأعد مشروع قانون خاص بمزدوجي الجنسية في العام 2013، على ضوء المادة 18 من الدستور، التي تمنع تسلم مزدوجي الجنسية مناصب أمنية أو تنفيذية حساسة. إلا أن هذا القانون لم يُشرع، لأسباب مختلفة. وكان هناك توجه من قبل تحالف سائرون لتحريك الملف مرة أخرى، إلا أن التظاهرات والأزمات الكثيرة التي عصفت بالبلاد حالت دون ذلك".

وعن هذه الأسباب، أكد عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي سليم همزة أنه "تم إعداد مسودة قانون خاص بمزدوجي الجنسية، وهي جاهزة منذ سنوات وموجودة في مبنى البرلمان، لكن مجلس النواب لم يستطع تمريرها بسبب الخلافات السياسية. كما أن تفعيلها سيؤدي إلى تأثر العديد من القادة والسياسيين ممن تسلموا مناصب بها، وبالتالي عليهم أن يتنازلوا عنها. وبعض السياسيين في العراق يعتبرون البلاد معسكر عملٍ، ومتى ينتهي عقد العمل يعودون إلى البلدان التي استقروا فيها قبل العام 2003". وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن "الاعتراضات السياسية على (مشروع) القانون السبب في عدم تمريره، وبالتالي فإنه يخضع لوجهات النظر السياسية وليس الدستورية. وحتى طريقة التعاطي والتهديد به تتم لأسباب مصلحية، وليست من أجل العمل وفقاً للقانون".

وبشأن مسودة القانون، قال الخبير القانوني طارق حرب، في اتصال مع "العربي الجديد"، إنه "يحتاج إلى تعديل جزئي، لأن القانون لم يحدد المناصب السيادية التي يمنع على مزدوج الجنسية تسلمها، ولذلك فقد تعرض مشروع القانون إلى تأويلات وتفسيرات كثيرة"، مستدركاً أن "المادة 18 من الدستور العراقي تمنع متعددي الجنسية تولي أي منصب سيادي أو أمني رفيع، دون أن يحدد الوظائف. ونحن بحاجة إلى تحديد الوظائف أو المناصب ليتم تمريره عبر البرلمان".

المساهمون