الجنرال

10 اغسطس 2015

عون.. طريد حافظ الأسد هو الحليف الأوثق لبشار الأسد

+ الخط -

يكاد يستحيل على غير اللبنانيين فهم "البزل" السياسية اللبنانية. وحتى هؤلاء تشقُّ عليهم. فهي من التعقيد والتشابك، بحيث لا تعرف مدخلاً لها أو مخرجاً، وهذا يتناقض مع مبدأ "البزل" نفسه. فلكلِّ "بزل" (أحجية) قاعدة. أحياناً، تكون القاعدة سابقة على اللعبة نفسها، وأحياناً تنتج اللعبة قاعدتها. لكن، يظل هناك، في كل الأحوال، من لديه معرفة بالحل. بغير ذلك، تستحيل هراء. وهذه هي، عدم المؤاخذة، قاعدة اللعبة في لبنان. هناك لعبة، ولكن ليس لها قاعدة. عليك أن تضرب أخماساً بأسداسٍ، ولا تصل إلى نتيجة. فلا تضيع وقتك في فهم ما لا يُفْهم، وما لا يرقى إلى درجة الفهم. هذا هو الحال المحال، لا لفرط تعقيده الرياضي أو الفلسفي، بل لفرط رثاثته وانعدام جدارته.

بالمختصر المفيد، ثمّة بضعة "آغوات" طوائف ومال وحروب في لبنان، يتصرّفون كما كان يتصرف أسلافهم، أيام "المتصرفية" العثمانية. فلم تغادر السياسة في لبنان، كثيراً، حدود "المتصرفية"، سواء على صعيد التدخل الخارجي أم على صعيد الاستعداد الداخلي لـ "الاستزلام". ومن هذا "الاستزلام" تُصْنع السياسة اللبنانية. حاول اللبنانيون، مراتٍ، أن يخرجوا من تراث "المتصرفية" وآغاواتها وأعيانها، أبرزها أيام "الحركة الوطنية اللبنانية"، طيبة الذكر، بقيادة الشهيد كمال جنبلاط، لكنَّ حافظ الأسد الذي قتل جنبلاط وهزم الحركة الوطنية، عابرة الطوائف والأديان، ومزَّقها، سلَّم اللبنانيين إلى آغوات طوائفهم ومللهم، بل قسَّم هذه الطوائف والملل إلى قسمين أو ثلاثة، ليسهل عليه التلاعب بها وضرب بعضها بالآخر. وهذا هو تراث حافظ الأسد، المِلَلي والنِحَلي، يفتك بلبنان السياسي والإداري، ويجعله غير قادر حتى على أن يكنس الزبالة من شوارعه "الباريسية". هراء ما يحدث هناك. فلا تحاول أن تفهم ما لا يُفْهم. فكيف تفهم شخصاً مثل ميشيل عون، بدأ زعامته في "مقاومة" حافظ الأسد، فألجأه هذا إلى السفارة الفرنسية أشهرا بعد سقوط نحو ألف قتيل في صفوفه، منهم 120 ضابطا رميا بالرصاص في القصر الجمهوري (من سيحاسب على تلك الأرواح المهدورة؟)، ثم عاد ليكون حليفاً لابنه بشار الذي تفوَّق على أبيه في الدموية؟ الجنرال الذي كان وراء قانون "محاسبة سورية" في الكونغرس الأميركي، وطلع لأحد أبرز معاونيه علاقة تجسّسية مع إسرائيل، صار مرجعاً في "الممانعة".

لا مشكلة، اليوم، في لبنان الذي يغرق في الظلام والنفايات والحمأ الطائفي غير المسبوق، إلا الجنرال، بالأحرى إلا "تأمين" مستقبل أصهر الجنرال داخل الطبقة السياسية. لا يقبل الجنرال العجوز توافقاً على رئيس، لأنه يريد أن يكون الرئيس، ولا توافقاً على قائد جيش، لأنه يريد أن يكون صهره الضابط قائداً للجيش، أو شيئا من هذا القبيل، فإن لم يستطع أن يكون الرئيس، فلا أقل من أن يرفع أرصدة صهره، السياسي النعنوع، في بورصة الرئاسة التي ينبغي أن يتوافق عليها، مثل أيام "المتصرفية"، قناصل الشرق والغرب. هراء ما يحدث في هذا البلد الذي له سهم في عروبة منطقتنا وحداثتها أكثر من أكبر بلدان العالم العربي. لا تحاول أن تفهم ما لا يُفْهم، فلا قاعدة هنا، ولا منطق لما يحدث.

طريد حافظ الأسد هو الحليف الأوثق لبشار الأسد! وليحترق لبنان، مثلما تحترق سورية، إن لم ينزل عليه القطر، على حد قول أبي فراس. شخص كهذا مكشوف الطموح لأي رجل بسيط في الشارع، كيف يكون له "شارع" وجمهور وكتلة برلمانية كبيرة؟ هؤلاء جميعاً يشتغلون لمجد الجنرال البائس، ويوظفون طاقتهم لتوفير "مستقبل" أصهاره. شيء عصيٌّ على الفهم. نفهم جنون عون الرئاسي وعمله الدؤوب على "تزبيط" وضع أصهاره (كيف لو كان له أولاد ذكور؟) ولكن، كيف نفهم أن يكون له شارع وجمهور؟

تظن الطبقة السياسية اللبنانية أنها شيءٌ، وهي لا شيء. تظن أنها محور الكون، وهي ليست أكثر من "أورطة" (كلمة عثمانية أيضاً!) ترطن بما لا يفهمه الآخرون، في "زاروب" مسدود. 

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن