وأسهب فلين، في مقابلة صحافية أجراها مع صحيفة "دير شبيغل الألمانية" نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، في وصف طبيعة عمل وهيكلية "داعش" التي يعمل بها في العراق وسورية، واصفا قائد التنظيم أبو بكر البغدادي بأنه "أفضل من سابقيه أبو مصعب الزرقاوي وبن لادن"، من حيث القدرة على التخطيط والتنظيم".
كما عبّر بكل صراحة بأنه لولا غزو العراق والإطاحة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين لما كان لـ"داعش" وجود اليوم، معبّرا عن ندمه على هذه الخطوة التي وصفها بأنها كانت خطأ استراتيجيا، ولكن واشنطن "كانت تبحث عن عناوين جغرافية، ولم تفكر في الأسباب التي دفعت لهجمات الحادي عشر من سبتمبر".
وبعيدا عن الهدف وعن التوقيت الذي يدلي فيه مسؤول أمني أميركي رفيع المستوى بتصريحات من العيار الثقيل تنتقد عمق الاستراتيجية الأميركية في المنطقة على مدار العقد ونصف العقد الماضي، تتجه الأنظار إلى عملية "إعادة هيكلة" استراتيجيات واشنطن في مواجهة التهديدات الأمنية التي يشكلها "داعش"، وآثارها على منطقة الشرق الأوسط.
وجاء الخروج الإعلامي للجنرال الأميركي عقب هجمات استهدفت مناطق متفرقة من العالم، طالت العاصمة الفرنسية باريس خلال الشهر المنصرم، واستهدفت عواصم عربية أخرى. وكانت الهجمات بتوقيع تنظيم "داعش"، والذي قال عنه مايكل فلين، في المقابلة "يجب أن نعلم أن التنظيم يملك هياكل قيادية حتى في أوروبا، وعلى الأرجح يوجد زعيم أو هيكل قيادي في كل بلد فيها، ونفس الشيء ربما مماثل في الولايات المتحدة الأميركية. الأمور فقط ليست واضحة لحد الآن".
وأرجع فلين هذا الانتشار للاستراتيجية التي وضعها أسامة بن لادن في السابق، والتي تعتمد على التخطيط للهجمات داخل مجموعات صغيرة، ما يجعل الكشف عنها في أوانه ليس بالأمر السهل، كما وقع في باريس أخيراً، يضيف المتحدث ذاته.
وشدد فلين على أن الضربات القادمة سوف تعتمد على تخطيط اثنين من الموالين أو واحد فقط، ويرى أن الأمر سيكون كافياً لهم.
اقرأ أيضاً: أميركا: طغاة العرب ومتطرفوهم يهيمنون على آخر مناظرة للجمهوريين
وعن ضرورة تلقي الأوامر أو تنسيق العمليات من طرف الأفراد خارج سورية، مع قيادات تنظيم "داعش" داخلها، أوضح فلين بأن الأمر ليس مشابهاً للهياكل التنظيمية أو القيادية التقليدية، إذ يمكن أن يخضع فرد واحد للتدريب، بعد شحنه بأفكار التنظيم، ثم يترك له قرار اختيار الأهداف بمفرده وتنفيذ الهجمات.
وبخصوص حدوث تغيير في تنظيم "داعش" في حال وفاة زعيمها أبو بكر البغدادي، استبعد مايكل فلين ذلك، وقال إن من يقتلون "هم الرجال فقط، لكن الفكر مستمر، والبغدادي أفضل من الزرقاوي، كما كان الأخير أفضل من أسامة بن لادن من حيث الفعالية".
وحول الدوافع التي قادته لوصف زعيم "داعش" اليوم بأنه أفضل من القادة السابقين، أوضح المتحدث ذاته بأن البغدادي حين أعلن نفسه "خليفة"، قام بذلك وفق إخراج ذكي، حيث صعد إلى المنبر في مسجد الموصل، وخاطب الناس خلال إعلانه، ورجال الدين يحيطون به من كل جانب.
وشبّه فلين ما قام به البغدادي بخطبة "البابا"، وأنه قدّم، بخلاف أسامة بن لادن والظواهري، صورة عن أن الحرب والصراعات المحلية ما هي سوى جزء من حرب دينية عالمية، يقودها هو، عكس مؤسسَي "تنظيم القاعدة"، اللذين كانا يقدمان نفسيهما عبر أشرطة الفيديو التي نُشرت، على أنهما "محاربان فقط".
وشدد على مسألة تميّز البغدادي بالقول: "حاول الزرقاوي جلب المقاتلين الأجانب، لكن طريقته جلبت 150 مقاتلاً في شهر واحد، من 12 عشر بلدا فقط، عكس البغدادي، الذي استطاع استقطاب 1500 مقاتل شهرياً من أكثر من 100 دولة".
وربط هذا التفوّق باستخدام تنظيم "داعش" لأسلحة حديثة، والاستغلال الجيد لوسائل التواصل والمعلومات بطرق مختلفة، تُكسب المضمون الذي يروّجه التنظيم جاذبية لعقيدته. أمر آخر تطرّق إليه الجنرال الأميركي، هو أن البغدادي لم ينهج أسلوب الزرقاوي في تنفيذ هجمات عشوائية، كانت تُسقط ضحايا بشكل عشوائي في العراق، بل يختار أهدافه بدقة عالية.
وعن المسؤول الأول للجناح العسكري لـ"داعش"، كشف فلين بأن البغدادي هو المشرف المباشر على التنظيم، وعبّر عن اعتقاده بوجود اثنين من مساعديه يتحملان مسؤولية العمليات العسكرية واللوجستية والمالية، تعمل معهما مجموعة مكونة من المصريين والسعوديين وأفراد من الشيشان وباكستان، بالإضافة إلى من هم من أصول أميركية وأوروبية.
وذهب مايكل فلين حد القول بوجود قطاع عسكري أسترالي في الرقة، مكوّن من 200 شخص، بناءً على معلومات استخباراتية، وقال إن التنظيم يضع مترجمين لكسر الحواجز اللغوية بين أعضائه في كل مكان.
وأضاف أن المتطوعين الجدد للالتحاق بالتنظيم، يُسألون عن كل شيء، لتوظيفهم بشكل جيد، حتى إمكانية قدرتهم على التعامل مع وسائل الإعلام.
وطرحت الصحيفة في مقابلتها، سبل محاربة التنظيم على مايكل فلين، وأجاب "الحقيقة المحزنة هي أنه ليس بالعمل العسكري وحده يمكن ذلك، والأمر سوف يستغرق سنوات لتفكيك شبكة منظمة جداً".
غزو العراق كان خطأ
وفي تصريح لأرفع مسؤول أميركي حتى الآن حول قرار غزو العراق والإطاحة بـ(الرئيس العراقي السابق) صدام حسين، سئل فلين: "هل أنت نادم على سقوط بغداد بسبب الاجتياح الأميركي؟"، فأجاب: "نعم بالتأكيد. لقد كان خطأ كبيراً، وبقدر ما كان صدام حسين وحشيا، كانت إزاحته بهذه الطريق خطأ أيضا".
ووصف مايكل فلين قرار تجاهل أبو بكر البغدادي حين كان في السجن بالعراق عام 2004، بـ"القرار الغبي جداً". وشدد على أن الدرس الرئيسي في حرب أفغانستان وغزو العراق، وهو سؤال "أنفسنا لماذا حدثت ظاهرة الإرهاب؟ لكن لم نعرف أن الخطأ الكبير الذي ارتكبناه هو الحرب على العراق، وكانت كما وحشية صدام حسين، ونفس الشيء ينطبق اليوم على ليبيا".
وأقر الجنرال في مقابلته، بأن سبب ظهور وقوة "تنظيم الدولة الإسلامية"، هو سقوط بغداد، ولو لم تقع الحرب على البلد، لما كان لـ"داعش" وجود اليوم.
اقرأ أيضاً: التحالف الإسلامي ضد الإرهاب: مولود جديد ينتظر الآلية التنفيذية
لا مفر من التعاون مع روسيا
وبخصوص التعاون مع الروس في الملف، قال المتحدث ذاته: "يجب أن نعمل بشكل بنّاء مع موسكو، سواء أحبّت الولايات المتحدة ذلك أم لا". وأضاف "لا يمكن أن تقول لروسيا أنت سيئة عودي إلى ديارك". وقدم مثالاً على ضرورة هذا التعاون، بما أقدم عليه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، حيث طلب من بوتين المساعدة بعد هجمات باريس.
اقرأ أيضاً: "داعش" يحوّل استراتيجيته الدفاعية إلى هجومية في الأنبار