الجميع يُحاكم في مصر

02 مارس 2019
رامي مالك مع جائزته (فرايز هاريسون/Getty)
+ الخط -
قضت مصر، شعبًا وحكومة، يومًا كاملًا تحتفي بما حققه الفنان ذو الأصول المصرية، رامي مالك، باقتناص جائزة أوسكار أفضل ممثل، عن دوره في فيلم "الملحمة البوهيمية".
وفي بيان رسمي لوزارة الهجرة المصرية، هنأت الوزيرة، نبيلة مكرم، رامي مالك وأشادت بتصريحاته التي افتخر فيها بأصوله المصرية.

على الرغم من أن رامي مالك كان يمكن أن يتعرض لحملة تشويه مكثفة بل ومحاكمته بتهم "خدش الحياء" و"التحريض على الفسق والفجور"، وخلافه، إذا ما قدم هذا العمل في مصر، بسبب تقديم دور فريدي ميركوري مؤلف الأغاني والمغني الأساسي في فرقة "كوين" الشهيرة، المثلي الجنس.

البراهين على محاكمة الفكر والفن والرأي، كثيرة، من ضمنها ما حدث مع ناشر نشر كتابًا مثيرًا للجدل، وفرقة مسرحية قدمت عرضًا بمغزى سياسي، وطفل ارتدى قميصًا يحمل شعارًا إنسانيًا.

كتاب "الملاك"
في الرابع من فبراير/شباط 2019، أيّدت محكمة عسكرية الحكم العسكري الصادر ضد الناشر خالد لطفي، مؤسس مكتبة ودار نشر "تنمية" في القاهرة، بالسجن خمس سنوات بتهمة: "إفشاء أسرار عسكرية وبث شائعات"، لإعادة طبعه كتاب "الملاك"، وهو كتاب متاح، ويوزع في معارض الكتب العربية.

كان لطفي قد ألقي القبض عليه في إبريل/نيسان 2018 بتهمة إفشاء أسرار عسكرية لقيام الدار التي يترأسها بتوزيع النسخة العربية من كتاب "الملاك: أشرف مروان" الصادر عام 2016 للكاتب الصهيوني يوري بار جوزيف.


ولكن المسؤولين المصريين ينفون أن مروان كان جاسوسًا، وأقيمت له جنازة رسمية في القاهرة، حضرها كثير من المسؤولين الكبار آنذاك. وكان جثمانه ملفوفًا بعلم مصر بعد وفاته في لندن حزيران/ يونيو 2007.

قالت مصادر مقربة من لطفي، وبعض العاملين في دار نشر "تنمية"، إن نسخة الكتاب أرسلت إلى الرقابة، ولم يأتِ رد، ما يعني موافقة ضمنية متعارف عليها في مجال النشر، وعلى إثره تم توزيع الكتاب على المكتبات، إلى أن فوجئ العاملون بالدار في غياب مؤسسها وصاحبها، خالد لطفي، في سبتمبر/أيلول 2018، بزيارة من لجنة المصنفات الفنية، التي حررت محضرًا ضد الدار، وضبطت أحد العاملين فيها، وتوالى تجديد الحبس مرتين، إلى أن أخلي سبيله.

واستدعت النيابة العسكرية، خالد لطفي في إبريل 2018، للتحقيق معه، وأصدرت حكمًا بحبسه، وتوالت أحكام تجديد الحبس، حتى تاريخ صدور حكم المحكمة العسكرية بسجنه خمسة أعوام. كما أقدمت هيئة المصنفات على إعدام جميع نسخ الكتاب الموجودة في السوق.
وحسب ما تداوله بعض الصحف والمواقع الإخبارية العربية، بشأن القضية، فإن وقائع القضية تعود إلى عشرة أشهر، عندما اتفق صاحب دار نشر "تنمية" على نشر طبعة مصرية من الكتاب المثير للجدل بالتعاون مع الناشر الأصلي "الدار العربية للعلوم ناشرون" اللبنانية.
وشمل الاتفاق بين داري النشر، إصدار طبعة مصرية مخفضة السعر من كتاب "الملاك" الذي أثار جدلاً كبيراً، وحولته شبكة نتفليكس التلفزيونية إلى فيلم سينمائي.

ويقدم الكتاب رواية إسرائيلية عن حياة رجل الأعمال المصري أشرف مروان، صهر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتزعم الرواية أن مروان كان جاسوساً قدم للاحتلال الإسرائيلي معلومات شديدة الأهمية خلال حرب أكتوبر 1973. لكن الكتاب لا يخلو أيضاً من وجهات نظر معاكسة تعتبر أن مروان مارس خداعاً كبيراً للكيان الصهيوني، ضمن خطة الخداع الاستراتيجي المصري، وهي رؤية اقترب منها فيلم شبكة نتفليكس الذي قدم مروان بوصفه "صانع سلام".

يشار إلى أن الروائي المصري، يوسف زيدان، وهو أحد الداعين للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وجه رسالة للرئيس عبد الفتاح السيسي، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كتب فيها "أدعو الرئيس عبد الفتاح السيسي، من أجل خاطر مصر، أن يُصدر عاجلاً عفواً رئاسياً عن الناشر خالد لطفي، المحبوس منذ سنة وصدر عليه حكمٌ بالحبس خمس سنوات، لأنه أصدر كتاباً.. مؤكداً على السيد الرئيس سرعة إصدار هذا العفو، الضروري، لأنه لا مستقبل لبلد يُسجن فيه ناشرون لأنهم نشروا أو مؤلفون لأنهم ألّفوا، فهذا من خطايا زمنٍ بائسٍ قد انقضى".

مسرحية "سليمان خاطر"
في 27 فبراير/شباط 2018، نشر الصحافي أيمن بدرة في جريدة "أخبار الرياضة"، مقالًا تحريضيًا ضد صناع مسرحية سليمان خاطر، والتي عرضتها فرقة مسرح نادي الصيد. وتسبب مقال بدرة في شن حملات صحافية وإعلامية ضد صناع العمل. أدى ذلك إلى تقديم بلاغات ضدهم وحبسهم على ذمة التحقيقات باتهامات من بينها "إهانة مؤسسة الجيش".

وفي مقاله المعنون "جريمة ضد الجيش في نادي الصيد"، وصف بدرة المسرحية بأنها "عملية تخريبية للشباب المصري في زمن الحرب، وأنها جريمة تهدف لهدم مكانة الجيش، بعد ما تضمنته من إهانات بالغة وسخرية من تضحيات رجال الجيش ودعم للإرهاب وتفكيك لروابط الوطن"، وطالب في مقاله بمحاسبة سريعة للقائمين على العمل، ومن أجازوا عرضه، مضيفًا "لا أعتقد أن قانون الرياضة الجديد ولائحته الاسترشادية وأي لوائح خاصة بالأندية التي تعطي الحرية للجمعيات العمومية قد تسمح أن يتم العبث بمقدرات الدولة والتطاول على جيشها".

وبالفعل أحيل صناع العمل إلى المحاكمة العسكرية، بعدما قررت النيابة العسكرية في مصر حبس مخرج ومؤلف العروض المسرحية، أحمد الجارحي، لمدة 15 يوما بعد توجيه اتهامات بـ"إهانة الجيش المصري" خلال العرض الذي استمر يومين.

كما أمرت بحبس أعضاء اللجنة الثقافية بالنادي 45 يوماً، على ذمة التحقيقات وكذلك اثنين من أعضاء النادي أمدوا الفرقة بملابس للمسرحية، بتهمة "حيازة ملابس عسكرية وإهانة الجيش".
وجاء قرار الحبس، عقب تقدم المحامي سمير صبري ببلاغ لكل من للنائب العام، والمدعي العام العسكري ضد أحمد الجارحي، مخرج، ووليد عاطف، مؤلف، لعرضهما مسرحية بعنوان "سليمان خاطر"، بنادي الصيد، تحمل تهكما على الجيش المصري ودوره في محاربة أعداء الوطن"، مطالبًا بإحالة المبلَّغ ضدهم إلى المحاكمة الجنائية.

وفي 25 يوليو 2018، قضت محكمة الجنح العسكرية، بحبس أعضاء فريق مسرحية "سليمان خاطر"، مع إيقاف التنفيذ في الاتهامات التي وجهت إليهم من النيابة.
المسرحية، التي عرضت من قبل في أحد قصور الثقافة التابع للدولة بمدينة الإسكندرية قبل عامين، تدور حول حياة جندي مصري كان قد فتح نيران بندقيته على سبعة جنود إسرائيليين عام 1985 فأرداهم قتلى، قبل أن تعلن السلطات المصرية انتحاره في محبسه.

تجدر الإشارة إلى أن سليمان محمد عبد الحميد خاطر (1961) جندي مصري راحل، يعتبر السبب الرئيسي في تغيير شروط الالتحاق بالأمن المركزي لأنه كان في كلية الحقوق ومن بعدها أصبح ممنوع تجنيد المتعلمين في قوات الأمن المركزي.

وقال في محاكمته على خلفية قضية الصراع العربي الإسرائيلي "أنا لا أخشى الموت و لا أرهبه.. إنه قضاء الله و قدره، لكنني أخشى أن يكون للحكم الذي سوف يصدر ضدي آثار سيئة على زملائي، تصيبهم بالخوف وتقتل فيهم وطنيتهم"، قبل أن يصدر ضده حكم بحبسه 25 عامًا من الأشغال الشاقة المؤبدة. بعدها شاع أنه انتحر، بينما أكد أهله أنه قُتل، وخرجت مظاهرات تندد بقتله.

يشار إلى أن المادة 67 من الدستور المصري "تمنع أي عقوبة سالبة للحرية ضد المبدعين بسبب علانية منتجهم الفني".
دلالات
المساهمون