يتأثر العمل التطوعي، والنشاط الخيري في شمال اليمن كثيراً، منذ يونيو/حزيران الماضي، بعد اندلاع المواجهات المسلحة في المنطقة. وهو ما يجبر جمعيات ومنظمات خيرية على وقف عملها، خصوصاً في محافظة عمران.
وأدت المواجهات المسلحة منذ ذلك الحين إلى استهداف مباشر لتلك المنظمات، تمثل في تدمير مقرات بعضها، ونهب بعضها الآخر، واضطرار منظمات أخرى إلى الإقفال في ظل الوضع الأمني السيئ، وتراجع الدعم والتمويل لها.
من جهته، يؤكد مسؤول البرامج والإعلام في "جمعية التكافل الاجتماعية الخيرية" في عمران التي أوقفت أعمالها نهائياً، عبد الله يحيى، أنّ "الجمعية أوقفت عملها في الخامس من يونيو/حزيران الماضي، مع بدء التوتر والمواجهات المسلحة في عمران". ويشير إلى أنّ الجمعية لم تعاود العمل، منذ ذلك الحين.
ويضيف يحيى لـ "العربي الجديد": "لم نستطع دخول مقر الجمعية حتى اليوم، فقد احتلته عناصر مسلحة طوال أشهر، ونهبت كلّ محتوياته من أثاث وتجهيزات وسواها. وطردت حراس المبنى. كما ألزم المسلحون مالك المنزل بعدم تأجيره للجمعية لأسباب غير معروفة".
ويشير يحيى إلى أنّ جمعيته، وبعض الجمعيات الأخرى المتضررة في عمران، تقدمت باحتجاج إلى مكتب الأمم المتحدة في صنعاء. ويؤكد في هذا الإطار، إلى أنّ "الضرر الأكبر يلحق بمئات الأسر الفقيرة التي ما زالت حتى اليوم تنتظر المساعدات من الجمعية".
وتقدم "جمعية التكافل الاجتماعية الخيرية" مساعدات مالية لـ 945 يتيماً بشكل دوري، بالإضافة إلى تقديم مواد غذائية وكسوة في الأعياد والمواسم، لأكثر من 2200 أسرة فقيرة داخل مدينة عمران.
الحال نفسه، بالنسبة للسكن الجامعي في جوار جامعة عمران، وهو سكن الشيخ فيصل بن عبد العزيز الجامعي الخيري. فقد أقدم مسلحون على اقتحامه، ونهب كل محتوياته.
يؤكد مدير السكن سعد السعيدي لـ "العربي الجديد" أنّ "المسلحين نهبوا كافة تجهيزات وأثاث السكن". ويقدر الخسائر بأكثر من 6 ملايين و800 ألف ريال يمني (31 ألف دولار أميركي)، بالإضافة إلى منهوبات خاصة بالطلاب القاطنين في السكن، الذي لم يترك المسلحون فيه أيّ شيء.
يتابع السعيدي: "كان السكن يؤوي أكثر من 170 طالباً قدموا من مديريات ومحافظات مختلفة بهدف الدراسة في جامعة عمران الحكومية. وكنا نوفر خدمة السكن مجاناً، بالإضافة إلى وجبات مجانية للطلاب. لكنّه الآن مغلق ولا نستطيع استئناف العمل لعدم قدرتنا على تأثيثه من جديد". ويؤكد أنّ "ثلث هذا العدد من الطلاب عاد الآن ليدرس في الجامعة بعد أن وجد مساكن أخرى. بينما ترك معظم الطلاب الذين كانوا في السكن، الدراسة في الجامعة نهائياً، بسبب عدم قدرتهم على توفير إيجارات ومصاريف السكن والطعام في مكان آخر".
وعن أسباب قيام المسلحين بنهب المكان، عقب السيطرة عليه لأشهر، يقول السعيدي: "لا يوجد أي سبب أو مبرر.. كلّ ما قالوه هو إنّ هذا السكن تابع للدواعش التكفيريين".
من جهتهم، يعاني السكان من إقفال الجمعيات والمنظمات والمرافق الخيرية. ويقول فاضل سليمان، وهو عم لطفلين فقدا والدهما بداء الكبد، لـ "العربي الجديد" إنّ المساعدات التي كان يحصل عليها طفلا أخيه انقطعت تماما منذ سيطرة المسلحين على عمران. ويضيف: "كانت الجمعيات تؤمّن لنا مبالغ مالية كلّ شهرين أو ثلاثة، بالإضافة إلى الأغذية والملابس والمستلزمات المدرسية، لكنّ كلّ ذلك انقطع في الفترة الأخيرة".
ويشير سليمان إلى أنّه، من جهته، يحاول جاهداً سدّ حاجة الطفلين، لكنّ المشكلة الأكبر في كثير من الأيتام غيرهما الذين لا يملكون أحداً، وتضرروا بشكل كبير من جراء انقطاع المساعدات. ويؤكد أنّه يعرف الكثير من الأيتام الذين تركوا الدراسة بسبب انقطاع تلك المساعدات.
أما اسماعيل الحاشدي، فيتحدث بحرقة عن فقدان أهالي مدينة عمران الخدمات الطبية المجانية، التي كانت بعض المنظمات تقدمها. ومنها "المركز الجراحي" و"مركز الأم والطفل". وهي المنظمات التي أغلقت مرافقها، بعد نهبها.
وكان العديد من مقرات المنظمات الإغاثية الدولية في محافظة عمران قد تعرض للاعتداء والنهب، بعد سيطرة جماعة "أنصار الله" الحوثيين، على المحافظة الشمالية، في يوليو/تمّوز الماضي. ومنها مقر فرع المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. كما تم إيقاف ثلاث شاحنات كبيرة تابعة لبرنامج الغذاء العالمي، كان من المقرر توزيع القمح من خلالها إلى النازحين الفقراء في المحافظة وخارجها.