الجزائر وقدر العسكرة

29 اغسطس 2017
التجارب الانقلابية لم تساهم بالتداوي من مأزق الشرعية(أحمد كامل)
+ الخط -
يقرّ واقع الأشياء لسلطة الأمر الواقع الحالية في الجزائر بكومة من الإخفاقات ونجاح واحد. الإخفاقات لها في كل شارع ألف مظهر وفي كل مدينة ألف صورة، أما نجاحها الوحيد فهو وضع الجزائريين بين خيارات مرة، بين القبول بالوضع الراهن بغموضه الدامس وظلام الأفق، وبين فوضى مجهولة العواقب، وبين الاستسلام لقدر العسكرة والاستنجاد بالعسكر.

وحين يرفض طيف واسع من الجزائريين القبول بالوضع الراهن المقيت سياسياً واقتصادياً، ويتجنبون بحزم خيار "الفوضى الخلاقة"، يتلهف بعض الساسة والنُخَب في الجزائر لتدخل من الجيش لإنهاء حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بمبرر العبث السياسي الحاصل في البلاد على مذهب "اذهبْ أنت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون"، لكن قيادة الجيش تتمنع على غير عادتها.

التوسلات السياسية الأخيرة للجيش لأن يصنع قدراً جديداً للجزائر، تكرس مستوى بالغاً من القابلية لحكم العسكر، وجزءاً من "الاتكال المرضي" الذي أصاب قطاعاً واسعاً من المجتمع السياسي والمدني في الجزائر، بما لا يتناسب مطلقاً مع روح تطور العمران البشري وعمر الانفتاح السياسي في الجزائر، وهي في الواقع ترسبات عقود من عسكرة السلطة في الجزائر، أوصلت قطاعاً واسعاً من السياسيين والرأي العام إلى الاعتقاد أن الخلاص من وضع مرهق بيد العسكر، وأن الجيش وحده من يمكنه أن يحدث لحظة تغيير ويصنع الخلاص.

الواقع أنه في كل التجارب الانقلابية التي خاضها الجيش صيف 1962 ويونيو/ حزيران 1965 ثم التدخل لفرض الرئيس الشاذلي بن جديد في 1979 بعد وفاة الرئيس هواري بومدين، ثم إزاحته بالقوة في يناير/ كانون الثاني 1992، لم تؤدّ أي منها لنقل البلد إلى مرحلة المؤسسة الديمقراطية أو التداوي من مأزق الشرعية الذي يلازم السلطة في الجزائر منذ عام 1962.

صحيح أن جزءاً من العسكر في الجزائر يعتقدون أن الدولة أمانتهم التي لا يمكن استيداعها لدى غيرهم، والمثل المقلوب في الجزائر يقضي بأن "لكل دولة جيشاً، وللجيش في الجزائر دولة"، على اعتبار عوامل تاريخية شكّل فيها الجيش الجسم الرئيس في بناء دولة الاستقلال، وأحال كل المؤسسات المدنية إلى مجرد مناولة سياسية، لكن العسكرة ليست القدر المحتوم على الجزائر، هناك أقدار أخرى يمكن أن تصنع في لحظة "إبداع ثوري أو فطنة حكيمة".

لا ينبت القمح من أصابع تدرّبت على الزناد، ولا يثمر التفاح من يد تخلط كل الوقت في الذخيرة، الدبابة لا تحرث حقلاً، والرشاش لا يسقي نخلاً، مر قمح العسكر، ومر خبز العسكر، ومر حكم العسكر... هكذا خبرتنا الأيام في الجزائر.

المساهمون