الجزائر والمغرب... زيارة واحدة لا تكفي لفتح الحدود

22 يوليو 2016
ملف الصحراء يبقى الأكثر أهمية للبلدين (فاروق باطيش/فرانس برس)
+ الخط -

بدت الزيارة التي قام بها الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية المغربية ناصر بوريطة، إلى الجزائر، المتزامنة مع قرار المغرب العودة إلى الاتحاد الأفريقي، مؤشراً على رغبة مغربية واضحة في تطبيع العلاقات مع الجزائر، بحسب مراقبين كثر. لكن استعراض مسار العلاقات والخلافات بين البلدين، لا يمنح لهذه القراءة الايجابية إمكانية في أن تكون واقعاً سياسياً.

بعد ثلاث سنوات من الفتور السياسي، عاد بوريطة مجدداً إلى الجزائر مطلع الأسبوع الحالي، حاملاً رسالة من العاهل المغربي محمد السادس، إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. لم يرشح الكثير من التفاصيل عن الزيارة، سوى ما نُشر في البيان الرسمي للحكومة الجزائرية، الذي أشار إلى لقاء جمع بوريطة برئيس الحكومة الجزائرية عبد المالك سلال، تمحور حول "العلاقات الثنائية والأمن الإقليمي، لا سيما مكافحة الإرهاب، والجريمة الدولية المنظمة، والمسائل المتعلقة بالهجرة، وإشكالية التنمية، والتحديات التي تواجهها أفريقيا والعالم العربي".

وإذا كان لافتاً عدم استقبال بوتفليقة مبعوث الملك المغربي، على الرغم من استقباله في مناسبات سابقة رؤساء بلديات فرنسيين، ما يعني أن السلطات السياسية في الجزائر لا تريد وضع الزيارة في غير سياقها الدبلوماسي. لكن ما يعطي للزيارة بعدها السياسي المرتبط حصراً بالملفات الأمنية ومكافحة الإرهاب والتحديات الأمنية، هو حضور مسؤول جهاز الاستخبارات الجزائرية الجديد اللواء عثمان طرطاق، ومدير الاستخبارات المغربية -الإدارة العامة للدراسات والمستندات، ياسين المنصوري، في الزيارة وفي الاجتماعات التي تمت بين سلال وبوريطة.

في هذا السياق، يُفسّر دبلوماسي جزائري رفيع لـ"العربي الجديد" هذا التطور المفاجئ، بأن "هناك قبولاً من الجزائر لكل خطوة يمكن أن تسهم في تحسين العلاقات مع المغرب. كما أن هناك قناعة في البلدين، بأن سياسة الفتور لم تعد مجدية لا سياسياً ولا اقتصادياً للبلدين وللمنطقة". ويلفت إلى أن "الجوانب الأمنية ربما باتت تؤدي دوراً بارزاً في فرض مزيد من التنسيق بين البلدين".





وتعيد تصريحات الدبلوماسي الجزائري إلى ما نشرته "العربي الجديد" في شهر مايو/أيار الماضي بشأن مطالبة واشنطن لكل من الجزائر والمغرب بتحييد الخلافات السياسية عن التنسيق الاستخباراتي والأمني في ملفات مكافحة الإرهاب ومراقبة تحركات العناصر المتطرفة بين البلدين. وذلك خلال اجتماع أمني ـ عسكري جزائري ـ أميركي. وطالب الأميركيون في حينه الجانب الجزائري بـ"ضرورة العمل على زيادة مستوى التنسيق والتعاون الأمني مع المغرب، ووضع الخلافات السياسية بين البلدين، الناتجة عن قضية النزاع في الصحراء، وخلافات أخرى تتصل بتهريب المخدرات وإغلاق الحدود البرية، خارج أي سياق للتعاون الأمني. كما تدخل في سياق التعاون الأمني دعوة الجزائر السلطات المغربية للتعاون في مجال وقف تسلل رعايا مغاربة، يعبرون إلى الجزائر للتوجه إلى ليبيا، ربما للالتحاق بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

لكن نفس المصدر الدبلوماسي لا يعتقد أن "الانفراج الظرفي والمؤشرات المرتبطة بزيارة المسؤول المغربي إلى الجزائر، يمكن أن تصل إلى حدّ التوافق على فتح الحدود، بما فيها قرار الرباط منع دخول فرحات مهني"، وهو زعيم حركة أمازيغية تطالب بالحكم الذاتي في الجزائر، كانت تدعمه المغرب.

ويلفت إلى أنه "في الوقت الحالي وحتى على المدى المنظور، من غير الممكن فتح الحدود بين البلدين، لأنه عادة يكون آخر مرحلة من مراحل التوافق والتطبيع". ما يعني استمرار إقفال الحدود بين البلدين المستمر منذ ديسمبر/كانون الأول 1994، بعد تفجير حدث في فندق أطلس آسني بمراكش، اتهمت فيه السلطات المغربية الاستخبارات الجزائرية بالوقوف وراء الحادث.

كما أن فتح الحدود يتطلّب خطوات تدريجية لتطبيع العلاقات الثنائية، ومعالجة النقاط الخلافية بين البلدين، أبرزها مسألة تدفق أطنان من المخدرات من المغرب إلى الجزائر، التي وصفتها الحكومة الجزائرية بأنها بمثابة حرب معلنة ضدها، فضلاً عن الحدّ من الحملات الإعلامية المتبادلة بينهما، والتعاون في ملف الصحراء، وتبادل الزيارات الوزارية، وفقاً لما توافق عليه البلدان فيما عُرف بتفاهمات فبراير/شباط 2013، التي انبثقت من زيارة سابقة قام بها بوريطة. لكن الجزائر والمغرب أخفقا في تنفيذ هذه التفاهمات، التي لم تصمد أكثر من أربعة أشهر، وانهارت في يونيو/حزيران 2013، بسبب حادثة إنزال العلم الجزائري عن القنصلية الجزائرية في الدار البيضاء. ثم عاد وتجدد الاشتباك السياسي بين البلدين أكثر من مرة، بلغت حدّ استدعاء السفراء، واتهام وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة الحكومة المغربية بـ"اعتماد استراتيجية رديئة تستهدف زرع التوتر بين البلدين".

الانفراج في العلاقات الجزائرية والمغربية لا يزال مبكراً، وفتح الحدود ليس قريباً أيضاً، فالجزائر التي ما زالت تحتفظ بقرار خفض تمثيلها ومستوى مشاركتها في أي محفل دولي أو إقليمي يُعقد في المغرب، كانت قد أعلنت في 19 يونيو/حزيران 2014، عن ثلاثة شروط رئيسية لإعادة فتح الحدود البرية المغلقة مع المغرب منذ العام 1994، تتعلق بالوقف الفوري لحملة التشويه ضد الجزائر، والتعاون في مكافحة المخدرات، واحترام وجهة نظر الجزائر في قضية الصحراء الغربية. لكن الرباط انتقدت من جانبها ما وصفته بـ"وضع شروط أحادية الجانب، لتطبيع العلاقات الثنائية بيت البلدين"، واعتبرت أنها "شروط غير مبررة، بظلّ احتفاظ الجزائر بموقفها في مسالة الصحراء". وتعتبر المملكة أن "الجزائر طرف رئيس في دعم جبهة البوليساريو، وضمن خصوم وحدة المغرب الترابية".


المساهمون