الجزائر: مشقة البكالوريا كما يتذكرها جيل السبعينيات والثمانينيات

17 سبتمبر 2020
البكالوريا في زمن كورونا (العربي الجديد)
+ الخط -

 

يتذكّر الكثير من الجزائريين، من جيل السبعينيات والثمانينيات، ظروف الدراسة الصعبة وكيفية الوصول إلى مراتب عليا، خصوصاً خلال امتحانات الثانوية العامة. ذلك الجيل كان مدركاً أن الدّراسة هي الحلّ للخروج من الفقر والغبن، خصوصاً أبناء القرى التي تفتقر إلى أدنى شروط التنمية. سابقاً، كان التلاميذ يقطعون مسافات طويلة للوصول إلى المدرسة. جميع القُرى المجاورة لمدينة ميلة، شرق الجزائر، كانت تفتقِر إلى المدرسة النّظامية، تقول سعاد بن يعلى لـ"العربي الجديد". والدها كان يصرّ على تعليمها على الرغم من رفض العائلة تعليم الفتيات. حتى أقرانها كن يتوقفن عن الدراسة في عمر مبكر. كانت منطقتها، العثمانية، تبعد عن مقر ولاية ميلة أكثر من 25 كيلومتراً. وفي ذلك الوقت، أي في منتصف سبعينيات القرن الماضي، كان الوصول إلى المدينة صعباً في ظل انعدام وسائل النقل، فكان والدها يقلها من المدرسة وإليها، وكانت تعد الأكثر تميزاً في القرية. والتحقت بمدرسة داخلية خلال المرحلة الثانوية وسط مدينة ميلة، ولم تكن تعود إلى بيت العائلة إلا كلّ شهر.

 

بكالوريا - الجزائر (العربي الجديد)

تتذكر بن يعلى تلك الفترة بكل تفاصيلها، لافتة إلى أن نيل شهادة البكالوريا كان يعد بالنسبة لعائلتها ولأهل القرية ضرباً من ضروب الخيال، وخصوصاً أن النجاح في هذه الشهادة كان مقتصراً على أبناء المدينة على قلّتهم، وعلى الذكور أكثر من الإناث. اجتهدت كثيراً حتى نالت الشّهادة لتحقّق حلمها في دراسة الطبّ، وكانت تذهب كثيراً إلى مدينة قسنطينة، عاصمة الشرق الجزائري. كانت القرى تفتقر إلى المدارس، خصوصاً في فترات الستينيات والسبعينيات وحتى ثمانينيات القرن الماضي. وكان الذهاب إلى المدرسة عبارة عن معجزة لدى العشرات ممن تكبدوا عناء الذهاب سيراً على الأقدام، وقطع مسافات طويلة من أجل الظفر بمقعد في المدرسة، وتضطر العائلات إلى تسجيل أبنائها في المدارس في المدينة الأقرب إلى القرية أو الجبل، كما حدث مع عبد العزيز سلحاني، من منطقة وادي الشفة، من ولاية الشلف، غرب العاصمة الجزائرية. الطفل الذي كان يرعى الأغنام، يتحدث عن الدراسة في زمن الفقر والجوع. وعلى الرغم من الظروف القاسية، لم يتخلف عن المدرسة بسبب حبه للكتب، علماً أن والده كان يرفض الفكرة من الأساس. "ابن الفلاح يكبر ليصبح فلاحاً"، كان يقول له.

 

على الرغم من تلك الظروف، إلا أن عبد العزيز (49 عاماً)، ظلّ متمسكاً بأن يتابع دراسته ويحصل على شهادة البكالوريا. الشهادة كانت بالنسبة إليه بوابته لاكتشاف العالم وتحقيق حلمه في دراسة الهندسة. يتابع: "في زمننا، لم نعرف السيارة، ولم يرافقنا أحد إلى المدرسة. كنا نعيش عى أمل أن نرى العالم من وراء جبال القرية التي نسكنها". وفي قريته الصغيرة أو "الدّشرة" كما يطلق عليها، قلة يتابعون الدراسة. كان يستيقظ مع صلاة الفجر، ويمشي نحو المدرسة قاطعاً مسافة كيلومترات ليعثر على سيّارة أو شاحنة من شاحنات النقل الثقيل لتنقله إلى مكان قريب من المدرسة. يومياً، كان يوقف السيارات أو الشّاحنات المتوجهة إلى البلدة. أما في موعد الامتحانات، فقد كان يدرس على ضوء عمود الكهرباء في أعلى منطقة في قريته، وأحياناً ينام في العراء مخافة أن يفوته موعد الامتحان.

 

بكالوريا - الجزائر (العربي الجديد)

لم تسعف الظروف جميع التلاميذ للوصول إلى هدفهم، بل كان البعض منهم يضطر إلى السير على الأقدام عشرات الكيلومترات للوصول إلى المدرسة من القرية إلى المدينة، في عز الشتاء والبرد والثلج، ما جعل جيل السبعينيات والثمانينيات يرى أن رغبته في التعليم جاءت نتيجة للجوع والحفاء، كما يردد كثيرون.
عاشت الجزائر فترة عصيبة خلال سنوات التسعينيات، زمن الأزمة الأمنية، وكان الذهاب إلى المدرسة أو الجامعة في بعض المدن عبارة عن تهمة، بل يتعرض أصحابها للتصفية من الجماعات المسلحة. وسلوك الطريق نحو الجامعات، خصوصاً بالنسبة للكثيرين من المدن الداخلية نحو المدن الكبرى كانت عبارة عن مخاطرة غير محمودة العواقب، تقول شهرزاد لمجد. كانت تدرس في جامعة التكنولوجيا في باب الزوار في العاصمة الجزائرية وتتنقل من منطقة بوفاريك بولاية البليدة التي كان يطلق عليها في سنوات الدم والدموع "أحد أضلاع مثلث الموت وسط الجزائر". تضيف: "كنا نستيقظ باكراً للوصول في موعد انطلاق حافلة نقل المسافرين العمومية من ولاية البليدة نحو محطة ساحة الشهداء في العاصمة، لكننا كنا نحمل في قلوبنا الخوف والتوجس من عدم العودة مساء".
اليوم، تغيّرت الظّروف والإمكانيات وتطورت التكنولوجيا، لكن تبقى لامتحانات شهادة البكالوريا نكهة خاصة لدى الأسر الجزائرية، فهي الفرصة التي تتيح للطلاب الالتحاق بالجامعة وبناء مستقبلهم الدراسي والمهني. 

 

بكالوريا - الجزائر (العربي الجديد)
المساهمون